Tev-Dem

15 أيلول .. الهجوم الأسود على كوباني وتغير موازين القوى -2

460

سنستعرض في ملفنا الثاني الذي أعددناه الأحداث التي بدأت عندها الحملة العسكرية على كوباني في الـ15 من أيلول/سبتمبر عام 2014، وكذلك المراحل التي مرت بها الحملة؛ فشلها وانتصار مقاومة وحدات حماية الشعب والمرأة وفصائل الجيش الحر في كوباني، إلى جانب التحرك العالمي إبان المقاومة.

بدء الهجوم الهمجي من قبل داعش

قرعت طبول الحرب في الـ15 من أيلول/سبتمبر عام 2014 عندما بدأ داعش يحشد قواته على تخوم مقاطعة كوباني. ذلك بعد أن سيطر على الموصل وكذلك العديد من القطاعات العسكرية للجيش السوري من أبرزها اللواء 93 في عين عيسى حيث استولى عندها على أطنان كبيرة من الأسلحة وعشرات المدرعات استخدمها في هجومه على المقاطعة.

كانت الخطة محكمة الرسم على ما يبدو لدى داعش الذي لم يكن ليوفر الوقت حتى بدأ الهجوم على جبهتين معاً، من الشرق والغرب، وسرعان ما أحكم سيطرته على عدد من القرى نظراً للقوة الكبيرة التي كان يمتلكها إذا ما قورنت بتلك التي كانت بحوزة وحدات حماية الشعب.

ولابد لنا أن نذكر أن القوات المدافعة عن كوباني لم تكن تمتلك دبابة واحدة قط أو حتى مدرعة نقل جنود، خلافاً لقوات داعش التي استخدمت في كل جبهة أكثر من دبابتين ناهيك عن استخدام مدافع 130 التي كانت لها القدرة لأن تقصف مركز مدينة كوباني من على بعد 30 كيلو متراً.

بدأ المرتزقة الهجوم والتوغل في عمق الحدود الطبيعية لمقاطعة كوباني التي كانت تحميها وحدات حماية الشعب. بسبب الإمكانيات العسكرية الكبيرة التي كانت بيد داعش.

المقاومة في الريف

لم يعني تفوق داعش العسكري والعددي على وحدات حماية الشعب والمرأة إبان بدء الحملة العسكرية أن الأخيرة لن تقاوم وستستسلم بسهولة، بل على العكس، فقد أبدت الوحدات مقاومة لا توصف حتى قدمت العشرات من مقاتليها شهداءً وقد نفّذ العديد منهم عمليات فدائية أمثال “ريفانا، آرين ميركان، باران سرحد، إيريش وزوزان” محاولين ردع قوات العدو ومنعها من التقدم.

لكن المقاومة التي كانت بالأسلحة الفردية والقليل من الرشاشات لم تكن كافية لتوقف زحف داعش صوب كوباني، بالعدة والعتاد المتطور.

لقد حملت المقاومة في الريف طابعاً خاصاً مختلفاً بعض الشيء عن تلك التي عقبتها في شوارع المدينة، فتراجع وحدات حماية الشعب والمرأة أمام داعش كان الأول على الإطلاق منذ تاريخ نشأة الوحدات، ذلك ما كان يدفع مقاتلي الوحدات لتحدٍ كبير وهو استحالة التراجع خطوة أخرى إلى الوراء؛ الموت ولا التراجع.

وبتلك العقيدة كان مقاتلو ومقاتلات الوحدات يستميتون للدفاع عن نقاط تمركزهم حتى لو كانت دبابات داعش تمر في كثير من الأحيان فوق أجسادهم.

نزوح المدنيين

كان المدنيون من أبناء كوباني جزءاً أساسياً في ملحمة المقاومة التي كانت تبديها وحدات حماية الشعب والمرأة في وجه مرتزقة داعش، حيث كان المدنيون يساهمون بشكل كبير في ملء الفراغات في خنادق المقاومة على طول حدود المقاومة.

لكن مع اشتداد الهجمات لم يكن على المدنيين إلا النزوح صوب مركز المدينة التي كان الحصار عليها يشتد مع مرور الأيام وبسرعة فائقة، وذلك تجنباً لمجازر أكيدة من الممكن أن يتعرضوا لها تكون شبيهة بتلك التي جرت في شنكال وراح ضحيتها أكثر من 5 آلاف إيزيدي.

ففي غضون 10 أيام شهدت كوباني نزوح أكثر من 300 ألف مدني صوب الحدود الشمالية للمقاطعة والواصلة مع شمال كردستان (باكور).

معظم المدنيين عبروا الحدود مع شمال كردستان وقصدوا منطقة سروج، بينما ظل بضع مئات متمسكين بأرضهم، وبقوا في قرية تل شعير التي تبعد عن مركز مدينة كوباني بمسافة تقدر بنحو 5 كم باتجاه الغرب، حيث أبوا الخروج حتى تحرير المدينة.

داعش على مشارف مدينة كوباني

في صباح يوم الأحد الخامس من تشرين الأول/أكتوبر 2014، سيطر داعش على “تلة مشته نور” المطلة على المدينة من جهة الجنوب الشرقي بعد 20 يوماً من المعارك في الريف، وبدأ يقصفها بشكل عنيف.

انطلاق حرب الشوارع

المعارك التي بدأت في مدينة كوباني تطورت على ثلاث مراحل. المرحلة الأولى كانت بوضع خط دفاعي للحد من تقدم مرتزقة داعش، وقد تحقق ذلك في 8 تشرين الأول/أكتوبر، أي بعد 3 أيام من انتقال المعارك إلى شوارع المدينة.

في ذلك اليوم نفّذ عدد من مقاتلي وحدات حماية الشعب (بعضهم استشهد وبعضهم جرحى) عمليات فدائية في ساحة الحرية، حيث استهدفوا جميع المواقع التي تنطلق منها رصاصات المرتزقة وتمكنوا من التحكم بزمام المبادرة والحد من تقدم مرتزقة داعش.

كان الجو السائد في تلك الفترة هو أن المدينة معرضة للسقوط في أية لحظة وكان الجميع يروّج لذلك وفقاً لمصالحه، الجميع كان يتساءل هل سقطت كوباني أم لا؟ ومتى ستسقط؟.

في معارك ساحة الحرية تم الحد من تقدم داعش، وباشرت وحدات حماية الشعب بتحصين خطوطها الدفاعية كما دربت المقاتلين على أساليب حرب الشوارع. وهكذا مرت الأيام حيث استمرت الهجمات على الخطوط الدفاعية بشكل يومي دون أن يحرز المرتزقة أي تقدم، بل إن وحدات حماية الشعب كانت تحرر بين الفينة والأخرى بعض المنازل والشوارع، واستمر الوضع على هذا المنوال مدة 71 يوماً.

في هذه الأثناء شنت المجموعات المرتزقة العديد من الهجمات الشرسة والمدروسة على الخطوط الدفاعية وخاصة من جهة الشرق وبالقرب من البوابة الحدودية إلا أنها فشلت أيضاً.

وبعد ذلك بدأت المرحلة الثانية، حيث بدأت وحدات حماية الشعب باتباع تكتيكات حرب الكر والفر وتنفيذ عمليات نصب الكمائن، زرع الألغام، القنص والهجمات الخاطفة والعديد من التكتيكات الأخرى. كما أكد عدد من قادة وحدات حماية الشعب في ذلك الوقت أن الضربات التي ألحقها المقاتلون بمرتزقة داعش كانت بفضل العمليات التي نفذتها قواتهم خارج المدينة، وبذلك تمكنت وحدات حماية الشعب من حماية خطوطها وكذلك دحر هجمات المرتزقة.

أما المرحلة الثالثة فقد بدأت بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 2014 أي في اليوم الـ 94 للمقاومة. في ذلك اليوم بدأت حملة تحرير مدينة كوباني تحت اسم حملة الانتقام لشهداء كوباني، ومع بدء الحملة التي استمرت 40 يوماً حتى تحررت كوباني تغيرت موازين الحرب في كوباني وانقلبت الأوضاع 180 درجة.

نشرت وكالتنا في وقت سابق تفاصيل أوفى عن الحملة، بالإمكان قراءتها باتباع الرابط التالي: حملة الـ40 يوماً لتحرير مدينة كوباني.

التفاعل الإقليمي والعالمي مع كوباني

المقاومة العظيمة التي أبدتها وحدات حماية الشعب والمرأة في الدفاع عن مدينة كوباني جعلت أنظار العالم تلتفت صوب مدينة كوباني، حيث بدأت المدينة وفي غضون فترة وجيزة تحتل العناوين الرئيسية لمعظم الوسائل الإعلامية وحديث أبرز القادة الدوليين.

فور وصول داعش إلى كوباني كان الكرد في شمال كردستان (باكور) أول المنتفضين دعماً للمقاومة التي كانت وحدات حماية الشعب تبديها في مدينة كوباني، حيث انتفض أبناء الشعب الكردي في معظم المدن الكردية في شمال كردستان دعماً لكوباني.

وتوجه المئات من الكردستانيين إلى الحدود عند مدينة برسوس (سروج) المتاخمة لمدينة كوباني، ومنهم من اجتاز الحدود للمشاركة في عمليات الدفاع عن المدينة.

الانتفاضة الشعبية لأبناء شمال كردستان جرت أيام الـ6، 7 و8 من تشرين الأول/أكتوبر، وقد استشهد فيها نحو 40 مدنياً قمعتهم السلطات التركية في محاولة منها لطمس الأصوات المطالبة بالانتفاض لمساندة كوباني.

اليوم العالمي للتضامن مع كوباني

بعد شهر ونصف على بدء المقاومة في كوباني وتحديداً في الواحد من تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن في العالم عن يوم التضامن العالمي مع كوباني وذلك بناء على دعوة المثقفين وكبار الحقوقيين في العالم، حيث خرج الآلاف في أكثر من 90 مدينة تابعة لـ 30 دولة في العالم لتبني مقاومة كوباني، تحت شعار “الاستنفار العالمي من أجل كوباني والإنسانية ضد داعش”.

وكان العديد من الحائزين على جائزة نوبل للسلام بينهم فلاسفة قد دعوا إلى إعلان الأول من تشرين الثاني/نوفمبر كيوم عالمي من أجل دعم كوباني.

ومن الداعين إلى هذه النشاطات الأرجنتيني ألدولف بريس اسكوفل الحائز على جائزة نوبل للسلام، نعوم تشومسكي البروفيسور والعالم اللغوي الأمريكي، ليزا مورغانتيني البرلمانية السابقة في الاتحاد الأوربي، وأعضاء من مجلس اللوردات البريطاني.

تحرير كوباني

بعد بدء الحملة العسكرية على كوباني في الـ 15 من أيلول عام 2014، ومرور المعارك إلى المدينة بعد 20 يوماً من بدء الحملة، استطاع داعش بعد 94 يوماً من المعارك أن يحكم سيطرته على 70 بالمئة من إجمالي المساحة الكلية لمدينة كوباني.

لكن ومع تدخل التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومساندة قوات البيشمركة لوحدات حماية الشعب والمرأة في معارك الدفاع عن المدينة، استطاعت القوات في كوباني دحر مرتزقة داعش والسيطرة على نقاط استراتيجية منه في كل يوم من أيام المعارك.

وقد جسدت وحدات حماية الشعب والمرأة في معارك كوباني ملاحم بطولية في الفداء عندما تمكنت من تحرير مدينة كوباني بعد 134 يوماً من المعارك المستمرة، حيث أعلن في الـ 26 من شهر كانون الثاني/يناير عام 2015 تحرير كامل مدينة كوباني من المرتزقة ونزع آخر الرايات السوداء عن سمائها واستبدالها بالرايات الخضراء، الحمراء والصفراء.

مقاومة كوباني كانت مقاومة أممية، وانتصارها كان انتصاراً لجميع الأمم

مقاومة كوباني أكثر من كونها مقاومة أبناء الشعب الكردي كانت مقاومة أممية شارك فيها أبناء أمم ومكونات مختلفة، فالعربي قاتل إلى جانب الكردي، والكردي قاتل إلى جانب الفارسي والفارسي قاتل إلى جانب الأمريكي والبريطاني والألماني وحتى الإسرائيلي والتركي.

وقد استشهد في كوباني العديد من المقاتلين الأمميين وأكثرهم كانوا من الأتراك، وهو ما يثبت بجدارة أن مقاومة كوباني كانت مقاومة أممية عالمية، وانتصارها كان يعني انتصاراً لجميع الأمم.