على مدى 4 قرون من احتلاها للمنطقة العربية عرفت الإمبراطورية العثمانية بأعمال النهب والسلب والغزو على مناطق وشعوب الشرق الأوسط حتى حولت المنطقة من منطقة حضارات إنسانية إلى ساحة لتنفيذ مجازرها التي تتواصل حتى اليوم.

ولم يكن هناك تواجد للعثمانيين في الشرق الأوسط وتعود أصولهم إلى سهول تيان شيان الواقعة على الحدود الصينية في آسيا الوسطى على امتداد 2400كم2 وبحسب بعض المصادر فإن أول وجود مذكور للأتراك في الشرق الأوسط كان نفراً من الترك الذين اشتراهم الوالي الأموي زياد بن أبيه في القرن التاسع من أسواق العبيد في بخارى ليكونوا حراساً لسجنه في الكوفة والخليفة المعتصم من أسواق سمرقند.

واتبعت الإمبراطورية العثمانية منذ بداياتها سياسة “تمسكن لتتمكن” وهو مثل معروف في سوريا ويعني أظهر الود حتى تمتلك القوة، وهو بالتحديد ما فعلته الإمبراطورية العثمانية مع شعوب المنطقة.

وبدأت فترة حكم العثمانيين للشرق الأوسط بعد معركة مرج دابق في عام 1516، ومعركة الريدانية في عام 1517 وبعدها قام السلطان العثماني آنذاك ياووز سليم باحتلال الشام ومصر ومن ثم بلاد الحجاز ليضم منطقة الشرق الأوسط إلى حكمه وتوحيدها مع منطقة الأناضول لتستمر فترة حكم الدولة العثمانية لمنطقة الشرق الأوسط 4 قرون أي حتى عام 1918 إبان انتهاء الحرب العالمية الأولى.

وبقدوم الحاكم العثماني جمال باشا الملقب “بالسفاح” وحين عين في منصبه الجديد في بلاد الشام اتبع في بادئ الأمر سياسة المداورة وحاول كسب العرب في صف تركيا محاولاً الاستفادة منهم في الحرب العالمية الأولى آنذاك، وقد خطب جمال باشا أول قدومه إلى دمشق عام 1914 م قائلاً:

“يجب عليكم يا أبناء العرب أن تحيوا مكارم أخلاق العرب ومجدهم، منذ شروق أنوار الديانة الأحمدية، أحيوا شهامة العرب وآدابهم حتى التي وجدت قبل الإسلام، ودافعوا عنها بكل قواكم. واعملوا على ترقية العرب والعربية، جددوا مدنيتكم، قوموا قناتكم، كونوا رجالاً كاملين”.

ولكن هذا الذي دعا العرب لإحياء مكارم الأخلاق وفي يوم السادس من أيار نفذ حملة الإعدامات على شكل دفعتين بحق الوطنيين والمثقفين من أبناء سوريا ولبنان إبان الحرب العالمية الأولى عام 1914 وذلك في ساحة البرج في مدينة بيروت.

أما الدفعة الثانية فكانت في عام 1916 في ساحة المرجة في دمشق فيما سميت بعد ذلك باسم ساحة الشهداء، نفذت هذه الإعدامات من قبل الحاكم العثماني جمال باشا الملقب “بالسفاح” الذي قالت بعض المصادر بأن قيامه بهذه الأفعال كان لغضبه من هزيمته في حرب “سفر برلك” ضد الإنكليز.

ولم تقتصر مجازر الدولة العثمانية على العرب فقط في المنطقة إنما على الشعوب الأخرى أيضاً كالأرمن حيث استولت الدولة العثمانية على أراضيهم في عام 1514م وتم تهجيرهم إلى الدول العربية والأوروبية المجاورة قسراً.

كما قام العثمانيون في عام 1915 بارتكاب مجزرة بحق مليون ونصف مليون من الشعب الأرمني الذين يطالبون حتى اليوم الحكومة التركية بالاعتراف بتلك المجزرة ويحيون ذكراها كل سنة إلا أن الأخيرة لا تعترف بشيء من هذا القبيل.

هذا جرى أيام الإمبراطورية العثمانية ولكن عقلية الإبادة لم تتوقف مع إعلان الجمهورية التركية عام 1923 حيث اتبعت الحكومات المتعاقبة سياسة القتل والتدمير.

وبعد فترة وجيزة من إعلانها قتلت الجمهورية التركية مالا يقل عن 15 ألف كردي ودمرت نحو 900 بيت وحرقت وأزالت 210 قرى، وهجّرت آلاف الكرد والعرب والآشوريين خلال الانتفاضة التي قادها الشيخ سعيد ضد قمع الجمهورية التركية حينها.

وفي عام 1938 ارتكبت السطات التركية مجزرة أخرى بحق الكرد في وادي زيلان بمنطقة ديرسم، وهكذا واصلت تركيا وجودها القائم على دماء الملايين من الكرد والعرب والأرمن.

ويمثل الاحتلال التركي لعفرين وعدد من مدن شمال سوريا مثل جرابلس وإعزاز والباب استمراراً لسياسات الامبراطورية العثمانية القائمة على إبادة شعوب المنطقة واستغلالها لصالح أجندات الدولة التركية.

وقتل جيش الاحتلال التركي أكثر من 260 مدنياً غالبيتهم من الأطفال والنساء وأصاب القصف الجوي والمدفعي للاحتلال التركي أكثر من 700 بجروح متفاوتة إضافة إلى تهجير أكثر من 200 ألف مواطن.

فكما دعا جمال باشا “السفاح” العرب إلى إحياء مكارم الأخلاق ثم ارتكب المجازر بحقهم واستغلهم في حروبه ضد الإنكليز ها هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعيد أفعال السفاح، فهو الذي أقحم ما يسمى الجيش الحر (غالبيتهم من العرب السوريين) في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل وهو الذي أخرجهم من مسار محاربة النظام إلى محاربة الكرد.

وفي أواخر نيسان/أبريل الفائت، خرج أردوغان لطمأنة الأتراك وأكد أن الكثير من الجنود الأتراك لم يقتلوا خلال العدوان على عفرين وأن أغلبية القتلى من “الجيش الحر”. بمعنى آخر يريد الرئيس التركي إفهام الشعب في تركيا أن القتلى من العرب وليس من الأتراك فلا داعي للقلق.

وهذا ما فعلته الإمبراطورية العثمانية خلال 4 قرون من احتلاها ويكرر أردوغان السيناريو نفسه عبر استغلال شعوب المنطقة وضربهم ببعضهم من أجل سلطته فقط.