Tev-Dem

السويداء تدفع ثمن حيادها عن الحرب

378

تستمر السياسة الدنيئة التي تمارسها بعض الأطراف على الأراضي السورية بتدوير الزوايا واللعب على التناقضات من أجل تكريس سلطتها ومصالحها على حساب أطياف ومكونات الشعب السوري. الوجهة هذه المرة كانت السويداء والدروز، حيث أبت هذه الأطراف أن تترك شعب هذه المدينة بحيادهم عن هذا الصراع والحرب الكارثية التي خلفت قرابة نصف مليون فقيد وملايين المهجرين والنازحين.

منذ اندلاع النزاع في سوريا، نجح أهالي السويداء في تحييد أنفسهم؛ فلم يحملوا السلاح ضد النظام السوري ولا وافقوا على الانخراط في معاركه، لكن الأطراف اللاعبة على الأراضي السورية حاولت مراراً استدراجهم إلى الصراع بعدة طرق منها محاولة شق الصف الدرزي عبر الفتن الداخلية أو عبر تطويع شعبها من خلال التهديد بالتنظيمات الإرهابية.

ولفهم ما دار حول السويداء خلال سنوات الصراع السوري وما تحاول الأطراف الترتيب لها علينا معرفة التركيبة السكانية للمدينة وموقفهم خلال الأزمة.

في الحقيقة عندما نتحدث عن مدينة السويداء في الأزمة السورية فإننا نتحدث عن الملف الدرزي بشكل عام. فالسويداء واحدة من المناطق السورية تقع في الجنوب الشرقي من دمشق، وتحدها محافظة دمشق من الشمال، ومحافظة درعا من الغرب، والبادية السورية والصفا من الشرق، والأردن من الجنوب. تبلغ مساحتها (6550) كم²، ويمتد طول المحافظة من الشمال إلى الجنوب (120) كم، ويبلغ عرضها من الشرق إلى الغرب (66) كم.

وتشكل السويداء في جنوب سوريا المعقل الرئيسي لدروز سوريا الموجودين كذلك في محافظة القنيطرة المجاورة، وفي جبل حرمون الممتد بين لبنان وسوريا، فضلاً عن مناطق في الضاحية الجنوبية لدمشق أبرزها جرمانا وصحنايا. كما يتواجدون في عدد من القرى في محافظة إدلب (شمال غرب).

ويبلغ تعداد الدروز في سوريا نحو 700 ألف نسمة، كانوا يشكلون نحو  3 % فقط من إجمالي عدد السكان البالغ 23 مليوناً قبل اندلاع النزاع الذي أدى إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

ويتوزع الدروز أيضاً في دول الجوار 200 ألف في لبنان و130 ألفاً في إسرائيل بينهم 18 ألفاً في هضبة الجولان المحتلة. وتعود أصول الدروز التي لا تكشف عن تعاليمها الدينية إلى المذهب الإسماعيلي، أحد مذاهب الإسلام ولا يمكن لغير الدرزي أن يتحول إلى هذه الطائفة.

وانقسم دروز سوريا منذ بداية النزاع بين موالين للنظام الذي قدم نفسه حامياً للأقليات في مواجهة التطرف، وبين متعاطفين وناشطين مع الحراك الشعبي ضد النظام، قبل تحوله إلى نزاعٍ مسلح، فيما بقي آخرون على الحياد.

ومع انطلاق الأزمة السورية وتحولها في ما بعد إلى نزاع مسلح على السلطة وتكوين تيارات متشددة في مكان آخر حيث قدم ذلك هدية كبيرة للنظام السوري فبهذه الطريقة يتم التخيير بين نظامه وبين التنظيمات الإرهابية لكنه كان لأهالي السويداء كما الشمال السوري رأي آخر.

ففي السويداء كانت بين الحين والآخر تخرج بعض الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالخدمات حاول النظام وما تسمى المعارضة جرها إلى التسلح والدخول في الصراع. وكانت البداية مع الشيخ وحيد البلعوس الذي أسس حركة مشايخ الكرامة التي ضمت كوكبة من مشايخ الطائفة الدرزية الكريمة ومن أعيان المنطقة لتصدح بمعارضتها لممارسات الأجهزة الأمنية للنظام، كما قال لا للإرهاب السلفي.

شكل البلعوس بزعامة مشايخ الكرامة حالة أشبه بالإدارة الذاتية، حالة وحيد البلعوس في السويداء شكلت مصدر إزعاج جدي للنظام السوري، فالرجل لعب دوراً محورياً في مقاطعة أبناء السويداء للتجنيد في الجيش، كما قام بدور مؤثر في التواصل والتوسط بين السويداء ومدن الجنوب الأخرى كدرعا التي لُعب فيها كثيراً على إثارة الفتن بين الجانبين.

البلعوس أزعج النظام أكثر بمقولته “نحن لسنا مؤيدين ولسنا معارضين، إنما نحن وطنيون نغار على وطننا وطائفتنا”، ويضيف البلعوس “الدروز معروفون بموقفهم الوطني، نحن حريصون على وحدة سوريا ونرفض التقسيم والتعدي على كرامة الناس من كل الطوائف، سنحارب الفساد وندافع على الأرض والعرض ضد كل المعتدين”.

كان النظام السوري ومن خلفه إيران وروسيا يعولون كثيراً في البداية على أهالي السويداء حيث يعرفون بحماستهم العالية وحاولوا استقطابهم عبر الترويج بشعارات تعود لزمن سلطان باشا الأطرش، ولكن كافة هذه المحاولات باءت بالفشل.

تشكيل قوات “مشايخ الكرامة”

وتأسست قوات مشايخ الكرامة عقب اندلاع الأزمة في سوريا عام 2011 للدفاع عن دروز السويداء، ويصر فصيل مشايخ الكرامة منذ بدايته على اتخاذ موقف محايد من الأزمة السورية رافضاً الانحياز لأي طرف وخاض الفصيل معارك شرسة ضد مرتزقة داعش وجبهة النصرة.

لكنها كانت مزعجة للنظام وحلفائه حيث وصفت روسيا قوات مشايخ الكرامة بأنها إرهابية وتم اغتيال قائد الفصيل الشيخ وحيد البلعوس عام 2015 والذي كان يعارض تجنيد شباب الدروز في قوات النظام.

مقتل البلعوس وضع السويداء على حافة مرحلة جديدة

أثار مقتل رجل الدين الدرزي البارز الشيخ وحيد البلعوس في انفجار سيارة مفخخة، احتجاجات ضد النظام السوري في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية تخللها إطلاق نار ومقتل عناصر من القوى الأمنية.

وتوقع وقتها متابعون للشأن السوري أن تتحول هذه الاحتجاجات إلى انتفاضة واسعة خاصة بعد تصريحات الزعيم الدرزي وليد جنبلاط التي دعا فيها إلى انتفاضة درزية على نظام الأسد.

وكان البلعوس يتزعم مجموعة “مشايخ الكرامة” التي تضم رجال دين آخرين وأعياناً ومقاتلين هدفهم حماية المناطق الدرزية من تداعيات النزاع السوري.

وبروز الجماعة هذه كان مؤشراً إلى تراجع سيطرة النظام في المدينة ورفض ألاعيب إدخالها في مواجهة مدينة درعا المحاذية لها؛ وأصبح لها أتباع في مختلف قرى المدينة وحازت على احترام كافة الأهالي.

وتمتع البلعوس بشعبية كبيرة بين أبناء الطائفة الدرزية، وعرف بمواقفه الرافضة لقيام الدروز بالخدمة العسكرية الإلزامية خارج مناطقهم. كما كان من أشد المعارضين للتنظيمات الإسلامية المتطرفة.

ومع انطلاق الحراك السياسي في السويداء كشف عن مسودة مشروع تدرسها القوى السياسية والاجتماعية في المدينة لتشكيل نواة إدارة “لا مركزية” محلية في المحافظة لتسيير عمل مؤسسات الدولة و”ضبط الأمن” فيها.

وجاء في مسودة المشروع أن الحراك يستهدف “تشكيل جمعية وطنية مؤقتة كمرجعية مهمتها تنظيم وإدارة مؤسسات الدولة في السويداء”، مؤكدة ضرورة “حصر السلاح بيد الدولة (المركزية) ومنع مظاهر التسلح بين الناس”.

وأرجعت مسودة المشروع الحاجة لإقامة الإدارة اللامركزية في السويداء إلى أنه “من المهم التعامل مع الاتفاق الروسي- الأميركي (مناطق خفض التصعيد) بكثير من الحكمة والواقعية السياسية كمرحلة أولى تنتهي بفرض إرادة الشعب السوري، ومنع أي شكل من أشكال التقسيم”.

ومع سيطرة قوات النظام وبدعم روسي على مساحات واسعة من الأراضي السورية وكان آخرها الجنوب السوري، بدأ النظام ينظر إلى السويداء القريبة بأنها المنطقة الأخيرة الخارجة عن سيطرته نوعاً ما.

ولكن السويداء تعرضت لهجمات إرهابية في الـ 25 من شهر تموز المنصرم راح ضحيتها المئات من المدنيين. إذ فقد ما يزيد عن 250 مدنياً لحياتهم، وأصيب المئات، كما اختطف مرتزقة داعش حوالي 34 شخصاً غالبيتهم أطفال ونساء، حيث أعدم المرتزقة فتى ً مخطوفاً كما فقدت امرأة مخطوفة لحياتها في ظروف غامضة.

الكثير من الكتاب وخصوصاً الكتاب من أبناء السويداء تناولوا هذا الهجوم الذي تعرض له أبناء الدروز. البعض منهم ربط ما جرى في السويداء بما جرى في المجزرة التي ارتكبت في ريف اللاذقية الشمالي في شهر آب/أغسطس من عام 2013 والتي راح ضحيتها قرابة 450 شخصاً وتكتم النظام حولها ولم يقدم أية أدلة على عمليات القتل التي ارتكبتها المجموعات المرتزقة مثل جبهة النصرة وأحرار الشام. وكذلك الجريمة التي ضربت طرطوس وجبلة في أيار/مايو عام 2016. وفي كل هذه الجرائم إشارة استفهام بشأن الدور الغائب لقوات النظام في التصدي لهذه الاختراقات السهلة والبدائية. أما الكتاب الكرد فشبهوا ما جرى في السويداء بما جرى في كوباني بتاريخ 25 حزيران 2015 عندما فتحت الدولة التركية الحدود لمرتزقة داعش من أجل شن الهجوم على كوباني وارتكاب مجزرة راح ضحيتها حوالي 250 مدنياً غالبيتهم من الأطفال والنساء.

المعارض السوري فاضل الخطيب من أبناء مدينة السويداء والمقيم حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية، تحدث عن إجراءات اتخذها النظام البعثي قبل وقوع المجزرة، وقيّم ما يجري خلال حديثه لوكالة أنباء هاوار عن المجزرة.

ويقول المعارض فاضل الخطيب إن مرتزقة داعش كانوا يتمركزون في مركز عسكري كان النظام قد تركه وانسحب منه قبل سنوات في منطقة البادية شرق شمال السويداء، ثم توسع وجود داعش هناك بعد إخلاء مخيم اليرموك والحجر الأسود في ضواحي دمشق قبل عدة شهور، وتم نقل داعش المخيمين، أو قسم منهم إلى بادية السويداء.

تحركات للنظام قبل المجزرة تشير إلى تواطؤه فيها

وفي تفاصيل الأحداث التي سبقت هجوم مرتزقة داعش يقول الخطيب “قام النظام قبل مجزرة داعش في 25 تموز الماضي بأيام قليلة جداً بسحب جنوده من نقاط عسكرية متاخمة للقرى التي استهدفها داعش، أي أن قوات الجيش كانت بين القرى وبين البادية التي يتمركز فيها داعش وتم سحبها، أي ترك تلك القرى بدون حماية من الدولة، ويعرف النظام أن هناك داعش. قبل أيام من المجزرة سحب النظام السلاح الفردي الذي كان قد سلمه لبعض الأهالي في تلك القرى من أنصاره بهدف الحماية، لكنه سحبها منهم”.

وتابع الخطيب حديثه عن الساعات التي سبقت الهجوم، ويقول “في نفس ليلة الهجوم الداعشي، وقبل بدء المجزرة بساعتين أو أقل، تم قطع الكهرباء عن تلك القرى، وقد تساءل بعض الأهالي حين حضر المحافظ إلى إحدى القرى للتعزية، وقبل أن يطردوه، سألوه لماذا قطعتم الكهرباء عنا قبل المجزرة بساعات، وكان رد أحد مرافقي المحافظ، “أنه قرار من الشام”، وهناك تسجيلات فيديو حول ذلك”.

وبعد بدء الهجوم الداعشي بساعات، وصل من قرى جبل الشيخ الدرزية وقرى الجولان غير المحتل ومن جرمانا في ضواحي دمشق، الدروز لمساعدة أخوتهم في صد داعش، ولم تصل أي قطعة عسكرية للنظام أو صعود أي طائرة من مطارات النظام، ومثلاً مطار خلخلة يبعد عن مواقع داعش بضعة كيلومترات وهو قريب من القرى التي تعرضت لهجوم داعش.

الهجوم حدث قبل الفجر بقليل، واستمر حوالي 6 ساعات حتى تم دحر داعش وتكبيدهم حوالي 150 قتيلاً، وراح ضحيتها 250 فقيداً وعشرات الجرحى، بعضهم مازال في حالات خطيرة، كما اختطف داعش العشرات من النساء والأطفال. وفي اليوم التالي حضرت سيارات من النظام لأخذ جثث داعش، وطبعاً بعض القرى رفضت تسليم الجثث للنظام وطردوا سياراته.

ويؤكد فاضل الخطيب أنه “كان واضحاً جداً، حتى لأنصار النظام أن النظام تواطأ مع داعش في هذه المذبحة، ويعرف الكثيرون أن الهجوم كان يهدف لاحتلال تلك المنطقة على تخوم الجبل كما اعتاد داعش سابقاً في أماكن عديدة من سورية، المعلومات تشير وتؤكد أن داعش المتمركز في بادية السويداء هدفه هو تلقين الدروز درساً بسبب امتناع حوالي خمسين ألف شاب عن الالتحاق بالجيش، وبسبب عدم انخراط الدروز في الحرب الدائرة منذ 7 سنوات ونصف، وبسبب موقف الدروز العام وبكل مؤسساتهم الدينية والاجتماعية وجماعات المجتمع المدني ضد التعفيش الذي شاركت فيه جماعات من الجيش والشبيحة وحاولوا تسويقها في السويداء وقراها، وأزعج النظام كثيراً ظهور حركة رجال الكرامة التي حاولت حماية الشباب المتخلف والرافض الالتحاق بالجيش، وفشلت كل محاولات النظام خلق فتنة بين الدروز وجيرانهم في درعا، ووقفت ضد محاولات الأمن ابتزاز المواطنين وتهديداتهم، إضافة إلى احتضان السويداء مئات آلاف اللاجئين وتشكيل جماعات للإغاثة والتبرعات من قبل العديد من الدروز بمواسم الزيتون وغيره لإغاثة اللاجئين والذين يسمونهم الدروز “ضيوف”.

قوات سوريا الديمقراطية مستعدة

وصف القائد العام لوحدات حماية الشعب سيبان حمو، في حديثٍ لصحيفة الشرق الأوسط، الهجمات على أهالي السويداء بـ “الهجمات الوحشية”، وأضاف قائلاً “وجع أهلنا الدروز نفس وجعنا كما حصل مع أهلنا في كوباني وعفرين (التي يحتلها جيش الاحتلال التركي ومرتزقته)”.

وأوضح حمو أنهم لا يفرقون بين الهجمات التي تعرضت لها كوباني وعفرين والهجمات على أهالي السويداء وتابع قائلاً “وحدات الحماية جاهزة لإرسال قوات إلى السويداء لتحريرها من الإرهاب”.

أما القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية فقالت في بيان أصدرته “إيماناً منّا بوحدة المصير المشترك لكافة أبناء سوريا، نعرب ونؤكّد لشعبنا في مدينة السّويداء وأهالي المختطفين عن استعدادنا التامّ لأيّ عمليّة تبادل مع عناصر داعش المعتقلين لدينا في سبيل تحرير المختطَفين وإعادتهم إلى ذويهم وأهلهم”.

وعن هذه المبادرة يقول المعارض السوري فاضل الخطيب “إن مبادرة ق س د بخصوص مساعدة الدروز في محاربة داعش وحول مبادلة الرهائن مع داعش، لاقت هذه المبادرات ترحيباً واسعاً بين الدروز، وهي تأكيد جديد أن دموعنا وأفراحنا متشابهة، وأن معاناتنا أيضاً متشابهة، وقد صدرت بيانات من مشيخة العقل بخصوص ذلك، تشكر فيها موقف الأخوة الكرد وتعاطفهم وتضامنهم ونيتهم الإنسانية الواضحة”.

على الرغم من وجود مختطفين من أبناء السويداء لدى داعش وعددهم قرابة 30 وغالبيتهم أطفال ونساء، إلا أن قوات النظام أطلقت عملية عسكرية في باديتي السويداء الشرقية والشمالية الشرقية وسيطرت عليها وسط تصاعد المخاوف بشكل كبير على المختطفين والمختطفات، بعد الإخفاق حتى الآن في الإفراج عنهم، حيث لا يزال المصير المجهول يلاحقهم، دون معلومات عن الجهة التي اقتادهم داعش إليها.