فتواجد قوات للتحالف الدولي في تلك المنطقة لمحاربة داعش كما تقول الإدارة الأمريكية لا ينتقص من هذه التجربة، فتحالف قسد مع قوات التحالف ليس إلا عسكرياً لمحاربة داعش تكتيكياً، لكن لا يغيب عن أحد أن الإدارة الأمريكية حليف غير موثوق به، أثبت ذلك مراراً، فالتحالف المؤقت عسكري الطابع ومحدد بمحاربة داعش الفاشي فقط.هذه التجربة في روج آفا وإن حازت على تعاطف دولي، لكنها افتقرت للأسف لتضامن واسع وحقيقي في سوريا نفسها خارج مساحتها، وهذا أحد عوامل ضعف القوى الديمقراطية والثورية السورية، وأيضاً أحد العوامل التي تضعف التجربة نفسها، وما يتطلب هو ضرورة تعزيز تحالف هذه القوى الديمقراطية والاجتماعية في القطاعات الثلاث بشكل أكثر جدية وفعالية، وإلا فإن استمرار تشرذمنا سيجعلنا أكثر ضعفاً وهشاشةً في مواجهة مختلف أطراف الثورة المضادة المتعددة الرؤوس.لذلك، فإنه في حالة غياب دور سياسي وجماهيري موحد وفعال للقوى الديمقراطية والثورية السورية، فإن البلاد تقف أمام احتمالين، الأول هو أن تتوصل الدول الإقليمية والدولية إلى تفاهمات فيما بينها للمحافظة على مصالح كل منها، فتسمح بذلك بفتح مسار “حل سياسي” تفرضه على السوريين، بينما الاحتمال الثاني، هو أن يتفاقم نزاعها وتنافسها على مصالحها في بلادنا، فيتفاقم ويلتهب الوضع عسكرياً وتشتد الحرب على دماء شعبنا، وفي كلا الاحتمالين ليس لهذه الضواري أدنى اهتمام بمصالح أو دماء السوريين ومطالبهم بالحرية.2- الواقع الخطير الذي يعاش في سوريا حالياً، أي انتهاء حرب الوكالة وبدء حرب الدول رسمياً، اسرائيل تضرب إيران، روسيا صامتة، النظام يندد وأمريكا تشجع وتركيا تستكمل احتلالها في الشمال السوري بالتنسيق مع العديد من الأطراف، دخول السوريين إلى هذا الواقع وبدء الدول الإقليمية بالتضارب على الأراضي السورية مع قرب انتهاء داعش أين سيضع الملف السوري؟باتت حرب سوريا بالأصالة بدلاً من حرب الوكالةصحيح تماماً، فقد أصبح التنافس والصراع على المصالح بين الضواري الإقليمية والدولية المتدخلة في سوريا حرباً بالأصالة أكثر منها حرباً بالوكالة، ولكن لنحاول أن نفكك ونبسط قليلاً الوضع الراهن الذي هو معقد ومشوش إلى حد كبير.ليس كل الحلفاء من هذه الدول  في المعمعة السورية متفقين تماماً ودوماً فيما بينهم على أهداف أو مصالح مشتركة في سوريا، قد تكون جميعها متفقة على قضيتين أساسيتين فقط وهما إجهاض الثورة الشعبية السورية وهذا ما تحقق لها، وإجهاض أو تحجيم تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا، وهذا لم يتحقق لها بعد، وهو ما تسعى إليه مجمل هذه الدول التي تحاول المخادعة بخطابها المعسول.لنأخذ مثالاً، تركيا وروسيا وإيران تعتبر نفسها دولاً “ضامنة” وفق اتفاق آستانا، لكن يجب ألا يغيب عن أنظارنا أن هنالك اختلافاً هاماً فيما بينها حول مصالحها وأهدافها في سوريا، وهذا التفارق والاختلاف في الاستراتيجيات فيما بينها معرض للتحول في أي لحظة إلى حالة عداء فيما بينها.العالم غض النظر عن احتلال عفرينففي المقابل، وعلى الرغم من أن تركيا والولايات المتحدة عضوان في حلف الناتو (أي حليفين استراتيجيين) لكننا نجد أن بينهما بعض التفارق في المصالح، فإن غضت الولايات المتحدة الطرف وسمحت باحتلال تركيا لعفرين، بمباركة روسية، لكنها تمانع ذلك فيما يخص منبج وشمال سوريا. على الأقل حتى الآن.والاحتلال التركي لعفرين، كان مثالاً على أن التنافس الروسي – الأمريكي على المصالح والنفوذ في سوريا، لم يمنعهما من تسهيل أو “غض الطرف” عن احتلال تركيا لعفرين، وإن كان لكل منهما مأربه الخاص.وفي مثال آخر، أشير إلى أن روسيا، التي من المفترض أنها حليفة لإيران، تتجاهل ضرب إسرائيل لمواقع لإيران “وللنظام” داخل سوريا.فنحن في تيار اليسار الثوري طرحنا منذ بداية التدخل الامبريالي والإقليمي في بلادنا شعاراً “لا موسكو ولا واشنطن، لا أنقرة ولا الرياض ولا الدوحة”، لأننا نرى بأن البوصلة الوحيدة لكفاحنا هي تحرر شعبنا الشامل ومصالحه، وواجبنا هو التعبير والدفاع عن أهداف كفاح شعبنا التحرري في كل ساحة ومكان والاستناد على طاقاتنا الذاتية وطاقات شعبنا وتنظيمها، مع التضامن الأممي لقوى التحرر في العالم، هذه هي الاستراتيجية التي نرى أنها تهدف إلى تحررنا جميعاً من ربقة الاستبداد والاستغلال والاحتلال.

3- كنتم من الثوار السوريين الأوائل الذين انطلقوا بالحراك السلمي في آذار 2011، وكانت رؤيتكم للحل حينها سلمية وسياسية، ما ينتظر الحل السياسي في سوريا في ظل تدخل الاحتلال من صعوبات في المستقبل القريب؟

بناء جبهة متحدة للقوى الديمقراطية والثورية والشعبية

الطابع العام للثورة الشعبية في عامها الأول كان سلمياً، والسبب في تسلحها كان أولاً عنف النظام الوحشي بحق المتظاهرين السلميين، وثانياً، حالة انشقاق الآلاف من الجنود والضباط الذين رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين.

لكن، غياب قيادة سياسية ثورية وهشاشة حركة تضامن قوى التحرر في العالم مع الثورة السورية إضافةً إلى تدخل قوى إقليمية لصالح كل من النظام والميليشيات الرجعية والطائفية والجهادية التكفيرية أدت إلى إضعاف الثورة والحراك الشعبي والقوى الديمقراطية رويداً رويداً وصولاً إلى إجهاضها .

الكارثة هي أن سوريا أصبحت بلداً مقسماً لمناطق نفوذ للدول الكبرى والإقليمية، مع خصوصية تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، في الوقت الذي أنهكت فيه الجماهير الشعبية وتلاشى الحراك الشعبي بعد سبع سنوات من القتل والتهجير والتجويع وحالة وهن عام للقوى الديمقراطية والثورية والشعبية وتشرذمها، هذه الشروط المذكورة تجعل من أي “حل سياسي” محتمل في اللحظة الراهنة مشروطاً بما تتوافق علية الضواري الإقليمية والدولية المتدخلة في بلادنا.

وبكل الأحوال، فإن من أهم الأولويات وقف هذه الحرب المجنونة لتستعيد الجماهير أنفاسها وتلملم جراحها، وتطرح علينا جميعاً مسؤولية بناء جبهة متحدة للقوى الديمقراطية والثورية والشعبية تسمح بتنظيم الصفوف والكفاح من أجل حرية شعبنا وبلادنا استناداً إلى دروس السنوات السبع الماضية والعمل على تغيير موازين القوى لصالح الجماهير الشعبية وبناء سوريا الحرية والتعددية والمساواة والعدل الاجتماعي.

4- مناطق خفض التصعيد، كانت المناطق ذات النصيب الكبير في العمليات العسكرية العنيفة من قبل النظام وحلفائه وخرج أغلب أهاليها للشمال السوري مستوطنين مدن غيرهم من المهجرين، ما كانت أبعاد اتفاقية آستانا الحقيقية عقب احتلال عفرين وإخراج أهالي الغوطة والرستن وحرستا؟

الاحتلال التركي يقوم بتطبيق سياسة استيطانية في عفرين

من الواضح، أن مؤتمر آستانا جاء منذ نحو عام لينظم تنافس تركيا وإيران وروسيا، وليرسم مناطق نفوذ وسيطرة كل طرف منها، فمن خلال آستانا تقاسمت هذه الدول الجزء الأكبر من أراضي سوريا، وبذريعة أنها دول ضامنة لمناطق خفض التصعيد فإنها تقاسمت وتبادلت الأرض والناس في هذه المناطق، على حساب الناس والمقاتلين (مهما كان توصيفهم أو انتماؤهم) فقد تحولوا إلى مجرد أوراق في يد هذه الدول تلعب بها كما تشاء وتلعب بدمائهم.

لهذا لم يترك للمرحلين من الغوطة أو غيرها (مدنيين ومقاتلين) من خيار لجهة ترحيلهم سوى الترحيل إلى إدلب وتجميعهم هناك، بحيث أن إدلب تحولت إلى قنبلة موقوتة.

ما يفاقم من الحال، أن الاحتلال التركي يقوم بتطبيق سياسة استيطانية بشعة ولاسيما في عفرين، حيث أنه يمارس عملية تغيير ديمغرافي بطرد السكان الكرد من أرضهم وبيوتهم ليضع مكانهم بعض المرحلين من الغوطة وغيرها.

هذه السياسة الاستعمارية التركية ليست فقط معادية لمصالح السوريين وتاريخهم ومستقبلهم، وتتطلب المقاومة والإدانة والمواجهة من كل السوريين، بل الأفظع أن هذه الممارسات الاستيطانية تزرع بذور صراعات ونزاعات وحروب أهلية لا نهاية لها.

مطلوب منا جميعاً فضح ومقاومة كل عمليات التهجير لأهالينا أينما جرت ورفض الاحتلال القسري للسكان الأصليين، إنها سياسة “فرق تسد” الاستعمارية التي تمزق المجتمعات وتفجرها وتعيق وحدة كفاح الجماهير الشعبية (أياً كانت قوميتها أو دينها) من أجل مصالحها وأهدافها المشتركة ضد أعدائها من الأنظمة والطغم الحاكمة والاستعمارية ومرتزقتها.

5-العلاقات التركية الروسية في تطور ملحوظ وذلك بعدما تم احتلال عفرين بموافقة روسية ومفاوضاتهم المستمرة بخصوص إدلب وآخرها إمكانية تشكيل فصيل تركي بإدلب لإرضاء روسيا، ما هو مستقبل هذه العلاقات حسب منظوركم، مع العلم بأن تركيا عضو في حلف الأطلسي (الناتو)؟

العلاقات التركية الروسية مرحلية ومؤقتة

صحيح تماماً أن الاحتلال التركي لعفرين جاء أساساً بضوء أخضر من نظام بوتين، وأيضاً بعدم اعتراض أمريكي، فجعلت اتفاقيات آستانا إدلب من حصة تركيا، ويحاول الاحتلال التركي بناء “جيش وطني” تابع له من فتات فصائل هي بالأساس طائفية وإرهابية في غالبيتها العظمى.

وهو بذلك يحاول أن يضفي على فصائل المرتزقة الرثة التي تقاتل معه صفة أرقى، ولكن التسمية لا تغير شيئاً من حقيقة أنهم مجرد مرتزقة تابعين لجيش الاحتلال التركي ولا يملكون شيئاً أو هامشاً من استقلالية الإرادة أو القرار، بل الجيش التركي هو المقرر الأول والأخير في مناطق احتلاله.

وقد ضاق الأهالي بالممارسات القمعية والبشعة لجيش الاحتلال التركي ومرتزقته التي دفعت بالأهالي في عدة مدن للتظاهر والاحتجاج، وهنالك حالة غضب شعبية متزايدة ضد الاحتلال التركي ومرتزقته، من المهم دعمها وتعزيزها.

وفيما يتعلق بعلاقة تركيا وروسيا، أود أن أشير إلى أنهما، وكذلك إيران، ليسوا حقاً حلفاء، بل هنالك تقاطع مصالح فيما بينهما في سوريا في هذه اللحظة، ولا أعتقد أن حالة التوافق بينها ستدوم، إنها مرحلية ومؤقتة.

ليست مصالح هذه الدول في سوريا متطابقة، فتركيا عضو أساسي وتاريخي في حلف الناتو، وهي رغم خلافاتها مع أمريكا لن تتخلى عن علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة (ولا الأخيرة ستتخلى عن تركيا)، في الواقع، إن موقف الإدارة الأمريكية في دعم قوات سوريا الديمقراطية ضد داعش هو الذي أثار غضب نظام أردوغان، لأن للنظام التركي هاجساً أساسياً وهو الهاجس الكردي، الذي يشكل له عصباً لا شفاء منه.

بالنتيجة، فإن العلاقة بين هذه الدول مرحلية وفق المصالح الخاصة لكل منها والمتناقضة على حساب شعوب المنطقة ومستقبلها.