لم تعد الدولة التركية قادرة على تبرير أي أمر نظراً لظهور حقيقة كل موقف أو توجه تركي بشكل متسارع حينما تبدأ باتخاذه، لو عدنا إلى المواقف التركية التي ظهرت إبان الثورة الشعبية في سوريا وقارناها مع التي هي قبلها وبالتحديد ما قبل عام ٢٠١٠م نرى أن تركيا تناقض ذاتها عندما تتحدث عن الشعب السوري بالوصف الحرفي أنهم ضحايا لإجراءات قمعية، تنتقدها دون أن تسأل نفسها عن دورها التآمري تحت هذه الشعارات، وأقرب دلالات ذلك منظومة داعش وتبعاتها التي لاقت الدعم والتوجيه والعون بشكل سخي من تركيا، إذاً الصراع ليس صراعاً وتنافس على المواقف، وإنما الأمر يتمثل في خلق البيئة الضامنة لتحقيق المصالح الدولتية من جهة وإجهاض محاولات وسعي القوى الوطنية السورية نحو الحل وبخاصة المشروع الاتحادي الديمقراطي الذي تمثله مكونات روج آفاي شمالي سوريا والتي تعتبره تركيا خطراً عليها.
لذا فإن كانت هناك تناقضات وتنصل من المواقف والحقائق، فالأمر ممكن وطبيعي إذا ما كان هناك خطر يوحي بخنق أحلام ومطامع تركية وما هو عائد لغيرها من الدول في سوريا وهنا لابد من العودة إلى أعلى درجات التوتر التي توصلت إليها العلاقات التركية- الروسية بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية لأول مرة قبل حوالي عامين، ومن ثم مرة أخرى في نهايات العام ٢٠١٧ نتيجة العقوبات الاقتصادية الروسية على تركيا، إلا عن ذلك أثمرت عن تعاون تركي – روسي أكثر، وكأنها شيفرة تنسيق وليس موقف دولة بحجم روسيا وبخاصة في ظل تعاونها – بالرغم من الكثير من التجاوزات التركية بحقها كدولة مهمة في العالم- في الحرب على عفرين!!
تركيا تستنفذ خياراتها المعرقلة لتوجه شعبنا نحو لعب دور مهم في سوريا والمنطقة، لذا ما تفعله اليوم في عفرين ليس بغرض منطقة يريد بسط سيطرتها عليها فحسب إنما تحاول اللعب على بعض الأمور الحساسة بهدف خلق ما كان عليه الشعب السوري إن صح التعبير وشعوب المنطقة في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى وهي التشتت والنعرات والحكم بالسوط أو على الأقل إعادة الشعب السوري إلى سوريا التي كان فيها حدود العقل أيضاً مسوراً بإجراءات تعسفية وما شابه، كيف ذلك؟! تماماً من خلال ما تفعله اليوم في محاولات إخراج سكان عفرين من خلال أسلحتها بما فيها الطيران وتوطين غيرهم ولو كانوا سوريين فقط بهدف خلق صراع طويل الأمد وضرب ما هو يهدف إلى وحدة الشعوب، والتي نجحت في إيجاد إرادتها عبر مشروع الأمة الديمقراطية.
ما يحدث الآن ضد كل الحراك الثوري في روج آفا ليس بحديث العهد وإنما امتداد لمحاولات كانت منذ حوالي سبع سنوات حينما بدأت القوى التي نظمت نفسها من أجل إسقاط النظام بالتحشيد والهجوم على شعبنا في سري كانيه ويعود كذلك إلى إن روج آفا منذ البداية كانت هدفاً للهجوم من قبل كل طرف مسلح في بدايات تأسيسه من جبهة النصرة وداعش والفصائل الموالية وكل هذا بدعم تركي واضح، نحن نعيش في واقع لا يمكن إنكار التغيير فيه لأن الشعوب لم تعد ترضى بالواقع البديل للثورة، وبخاصة تلك التي تبحث عن إرادتها كما حال شعبنا ومهما كانت هناك محاولات بطريقة أو أخرى لإخفاء حقيقة هذا التغيير فالمخططات لن تجد نفعاً، وتركيا لها باع طويل ومحاولات كثيرة لتحقيق هذه الغاية وما سياساتها وتوجهاتها ضد شعبنا إلا لهذا الهدف.
عنونة الفشل التركي يمكن من خلال مواقف عديدة وكثيرة منها ما هو متعلق بوقف العمليات القتالية في سوريا بما فيها عفرين بعد ست وثلاثين يوماً من المقاومة عبر قرار أممي ذو الرقم ٢٤٠١، مأزق تركيا يكمن أيضاً في عدم القدرة على التراجع واستخدامها لأفراد داعش الناجين من حملات التحرير على يد قوات سوريا الديمقراطية والتي لم يشملها القرار الأممي المذكور، وهنا حق الهجوم مشروع من قبل القوى المقاومة في عفرين.
لقد خسرت تركيا مصداقيتها التي أصلاً هي مفقودة في العرف الديبلوماسي بسبب عدم قدرتها على تحقيق النجاح ضمن المدة المحددة لها في عفرين، إذ إن حادثة توقيف السيد صالح مسلم في براغ عاصمة دولة التشيك ليلة ٢٤ شباط المنصرم والتي كانت خطأ آخر حيث فضحت ذلك عن ضعف حجج الدولة التركية ولا قانونية دعوتها وخلطها للأرواق بمعنى تصفية حسابات داخل سورية في الساحة الأوربية، بالإضافة إلى فضح علاقات سرية وصفقة رشاوي تبلغ قيمتها حوالي ٧،٥ مليون دولار قدمتها تركيا لمسؤولين تشيكيين، كما أن حادثة توقيف السيد مسلم يكشف للعيان مدى تورط الاستخبارات التركية «الميت» في عمليات مشبوهة وإرهابية داخل الأراضي الأوروبية، وهذا أمر بحد ذاته تدخل خطير ينبغي على الدول الأوروبية التنبه والحذر منه لذلك فالنشاط الاستخباراتي التركي يعمل على توتير العلاقات الأوروبية مع شعوب الشرق الأوسط وبخاصة مع الكرد وعلينا ألا ننسى هنا دور الميت التركي في عمليات اغتيالات شخصيات أوروبية أيضاً كرئيس الوزراء السويدي الأسبق بالمه في العام 1986م بالإضافة إلى أمر مهم آخر وهو الذي يحد من دور تركيا دولياً ويبرهن على فشلها ذلك الحراك الديبلوماسي لروج آفا وتحولها إلى قاعدة فعلية ترسم مسار العلاقات ومجالات التعاون لإرساء السلام والديمقراطية في العالم.
يمكن وصف ماهية الأمور والصراع الدائر بشكل من أشكال الدوران في محور واحد كل من يسعى في ذلك المحور إلى مناهضة مشروع شعبنا ويسمو بمصالحه ويتنازل عن الأخلاق لتحقيق مآربه يغوص ويتعمق في خطه ومنحاه الخطأ وهذا ما تفعله تركيا الآن عبر دعم الحرب والمشاركة فيها في عفرين والغوطة وإدلب وتحاول جرّ البعض الآخر إليها لأنها لا تجد سبيلاً للخلاص.

المقال التالي