تركيا لم تنجح في تحقيق مبتغاها فيما يتعلق بإبعاد حلف الناتو وأمريكا عن الكرد. وقد بذلت مساعي حثيثة في سوريا بشكل خاص من أجل إبعاد التحالف الدولي ضد داعش عن الكرد وعن وحدات حماية الشعب. العداء التركي ضد الكرد كان قد وصل إلى أوجه، ففي العراق تم تأسيس كيان كردي، وفيما لو تم كيان مماثل للكرد في سوريا فهذا يعني قيام القيامة بالنسبة لتركيا، ويفوق قدرة تركيا على التحمل. ولذلك كان لا بد من إبعاد الكرد وإخراجهم من معادلة المنطقة مهما كانت الأثمان والتكاليف. ولتحقيق هذه الغاية احتضنت تركيا الآلاف من اللاجئين السوريين وبدأت باستخدامهم كورقة ضغط وتهديد وابتزاز ضد أوروبا. ومن جهة أخرى ساندت المجموعات المرتزقة مثل داعش والنصرة، وكذلك شكلت مجموعات مسلحة من العرب النازحين في المخيمات وبدأت باستخدامهم ضد الكرد.

أمريكا والتحالف الدولي على علم تام بكل العلاقات والتحالفات التركية في سوريا. تركيا لم تكن محل ثقة في الحرب ضد داعش. وعندما رأت تركيا أنها لن تلقى الدعم اللازم ضد الكرد من الغرب (أوروبا وأمريكا)، بدأت بالتركيز على علاقاتها مع روسيا. ومن المعلوم أن هناك تنافس وصراع بين روسيا وأمريكا على المنطقة. وكل منهما تسعى إلى تثبيت نفوذها في سوريا. أردوغان استفاد من هذا الواقع وأبرم اتفاقيات سرية وعلنية مع روسيا من شأنها أن تؤثر في مستقبل تركيا. وقد ظهرت نتائج هذه الاتفاقيات عندما احتلت تركيا عفرين. ومن الواضح أن ما يحدث في عفرين ليس مجرد احتلال. بل هو في نفس الوقت عملية الإبادة العرقية، وهي إبادة علنية بموجب الاتفاقيات الدولية. فما الذي حدث حتى تحالفت روسيا مع تركيا في إبادة الكرد. ما المصالح والصفقات التي حصلت عليها روسيا من أردوغان، ما هي الاتفاقيات المبرمة؟

من المعلوم أن تركيا أعلنت أنها ستشتري أنظمة صواريخ  S 400من روسيا، وأكدت الوصول إلى اتفاق في هذا الموضوع. هذه الصواريخ لا تتوافق مع أنظمة أسلحة الناتو، والجيش التركي هو أحد جيوش حلف الناتو. ويقال أن هذه الصواريخ لن تكون ذات تأثير. تركيا تسعى من خلال هذه الخطوة الضغط على الغرب (أوروبا وأمريكا) من جهة، وتقديم حزمة رشوات إلى روسيا من جهة أخرى. وبحسب المعلومات المتوفرة لدينا أن تركيا تشتري من روسيا أسلحة بقيمة 6 إلى 7 مليار  دولار. أي أنها شكلياً لن تخرج من حلف الناتو، ولكنها أيضاً ستواصل إبرام الاتفاقيات السرية مع روسيا. ومن إحدى المظاهر العملية لهذه الاتفاقيات فإن تركيا سوف تقبل بأي مبادرة روسية في القفقاز. فروسيا ستواجه هناك قضايا معقدة بما فيها قضايا أرمينية وأذربيجان. وعليه فإن تركيا سوف تتصرف وفق السياسيات الروسية في هذه القضايا.

ومن الجوانب الأخرى المهمة لتحالف تركيا وروسيا هو أن تركيا سوف توطد علاقاتها مع سوريا بشكل سريع وتفتتح قريباً ممثلية لها في دمشق. أما الأكثر أهمية فإن تركيا سوف تحد من التعامل الاستخباراتي مع أمريكا بما ينسجم مع المطالب الروسية. أي أن روسيا سوف تتدخل في أي تأثير أمريكي على تركيا. كما أن روسيا سوف تكون على علم بكل التحركات الأمريكية في قاعدة إنجرليك التركية. فتركيا سوف تضمن لروسيا نشر قواعدها العسكرية في الأماكن التي تسمح لروسيا بالتحكم بما يجري في إنجرليك. كما أن روسيا ستشكل لجنة مراقبة خاصة لمراقبة التحركات الأمريكية في تركيا. وهذه المساعي كلها ستتم بالتشارك مع تركيا.

وكما هو واضح فإن عفرين أصبحت ضحية للمصالح التركية الروسية، فيما التزمت أمريكا وحلف الناتو موقف المتفرج في كل هذه الصفقات والمجازر. إلا أن عفرين لن تكون الأخيرة. والحقيقة أن تركيا التي تسند ظهرها لاتفاقياتها مع روسيا بدأت الآن تهدد أمريكا أيضاً، تطالب أمريكا بالخروج من منبج وتهدد بضرب قامشلو أيضاً الوصول إلى ديرك. تركيا تصرخ بكل ما أوتيت من قوة وتطلب من أمريكا الخروج بشكل كامل من سوريا وقطع علاقاتها مع الكرد. فهل تملك تركيا لوحدها من القوة التي تخولها لإطلاق هذه التهديدات؟ طبعاً لا. نوايا تركيا واضحة، تحاول تصعيد العداء ضد الكرد، وإشراك كل المنطقة في هذا العداء بما لا يسمح للكرد بتأسيس كيان خاص بهم في المنطقة. ولذلك دخلت تركيا في اتفاقيات وتحالفات مع روسيا لا يمكن التكهن بمستقبلها. لقد دخلت في صراع التنافس بين الدول العظمى على المنطقة، ولا بد أنها سوف تدفع تكاليف باهظة. فهل سيبقى أردوغان وباهجلي في سدة الحكم إلى الأبد. وهل ستحافظ تركيا على الدوام باتفاقياتها مع سوريا؟ وهل ستلتزم كل من أمريكا وأروبا بالصمت إزاء هذه التحالفات؟ كل هذه حقائق ووقائع مهمة ستؤثر بشكل مباشر على تطورات الأحداث على الصعيد الإقليمي والدولي.

روسيا أظهرت أنها لم تتبع سياسة تليق بدولة عظمى. وضحت بالكرد من أجل كسب ود دولة عنصرية ودولة إبادة مثل الدولة التركية. كان بإمكانها انتهاج سياسات مغايرة، لكنها آثرت تحميل الكرد التكاليف الباهظة لقضايا وصراعات الشرق الأوسط والعالم، وشاركت في تهجير وطرد الكرد من أرضهم. إلا أنها لم تنجح بهذه السياسات في إدامة وجودها وعلاقاتها في الشرق الأوسط. ومهما مارست روسيا من سياسيات ديماغوجية، ومهما حاولت اتهام الكرد وتجريمهم، إلا أنها لن تستطيع إخفاء وإنكار دورها كشريك في إبادة الكرد.

الهدف الأساسي لتركيا في سوريا هم الكرد. أما هدف روسيا فكان أمريكا وحلفائها. ومما لا شك فيه أن التحالف الروسي التركي لن ينحصر داخل حدود مناطق الشرق الأوسط، بل ستؤثر على جميع التطورات اللاحقة في المنطقة والعالم, وسيسعى كل حلف على تعزيز مواقعه وعلاقاته بناء على ذلك.

(ك)