Tev-Dem

في دير الزور، تجري اتفاقيات الاستلام والتسليم إلى جانب عمليات التحرير – 3

418

بالنظر إلى مجريات الاحداث في سوريا بعد اندلاع الثورة السورية في 15 أذار 2011، نلاحظ بأن لنظام البعثي النصيب الأكبر فيما آلت إليه الأحوال في سوريا، ففي أول خطاب ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد في قاعة مجلس الشعب بعد اندلاع الثورة في 30 أذار 2011، أوضح بأن سوريا تتعرض لـ “مؤامرة وعملية إرهابية بهدف ضرب امن واستقرار المنطقة”. ووقتها كانت معظم النشاطات التي تقام في المدن السورية نشاطات سلمية تطالب بالحقوق المشروعة والحرية.

وبعد عدّة أشهر انحرف مسار الثورة السورية من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة، وظهرت عدّة فصائل مسلحة في بادئ الامر تدعي الدفاع عن الشعب السوري، وفي أواخر عام 2011 وبداية 2012 ظهرت بعض فصائل تعتنق الفكر الإسلامي المتشدد. لكن كان للنظام السوري دور كبير في تقديم الدعم للمجموعات الاسلامية المتطرفة، ربما ليستخدمها كما يستخدم داعش اليوم ضد قوات سوريا الديمقراطية في دير الزور.

ظهور الفصائل الإسلامية المسلحة ضمن سوريا جاء بعد ترحيل النظام البعثي كافة المعتقلين لديه في سجن صيدنايا بدمشق والمتهمين بتهمة إرسال الجهاديين إلى العراق بعد التدخل الأمريكي في العراق 2003، إلى مدنهم ومناطقهم ومن ثم الافراج عنهم دون انتهاء محكوميتهم.

ومن هؤلاء مؤسس داعش في سوريا أبو لقمان علي الموسى (والي سوريا) الذي كان مدرساً في مدينة الرقة واعتقله النظام السوري قبل الثورة بعامين 2009 بتهمة إرساله الجهاديين إلى العراق، فواز الكردي الملقب أبو علي الشرعي، وإبراهيم الشواخ عم أبو لقمان الذي كان معروفاً بأنه عراب لداعش وهو الآن عضو فيما تسمى بالمصالحة الوطنية مع النظام ويقيم في دمشق أمام مرأى النظام البعثي، وفيصل البلو الذي كان والي منطقة كري سبي/تل أبيض وناحية سلوك التابعة لها أثناء سيطرة مرتزقة داعش على تلك المنطقة.

حيث شكل هؤلاء بعد الافراج عنهم من سجون النظام وبالتعاون مع أبو سعد الحضرمي وأبو دجان فصائل إسلامية تابعة لمجموعات “لجيش الحر” المسلحة في مناطق الرقة وتل أبيض وسلوك وعين عيسى، ومن ثم انضموا إلى مرتزقة جبهة النصرة، وأصبح المدعو أبو سعد الحضرمي أميراً لجبهة النصرة في ما كان يسمى بقاطع الرقة لفترة من الزمن وأبو دجان مسؤولاً للمالية لجبهة النصرة، وبعد إعلان أو ظهور داعش في سوريا والعراق، بايع أبو لقمان، وأبو علي وفواز الكردي وإبراهيم الشواخ داعش، أما أبو سعد الحضرمي وأبو دُجان فرفضوا المبايعة لداعش وتم قتلهما من قبل أبو لقمان بعد فترة من الزمن.

وبدأ توسّع داعش في سوريا منذ عام 2013 عبر افتتاحها مكاتب للدعوة في ريف حلب والرقة، استولت داعش على كل من مدن الباب ومنبج والأتارب وإعزاز وتل رفعت وغيرها في ريف حلب، وسرمدة وكفر تخاريم والدانة وسلقين التابعين لمحافظة إدلب، ومدينة الرقة التي اتخذتها كمعقل رئيسي، خلال أقل من ستة أشهر، هذه المناطق جميعها كانت تحت سيطرة ما يسمى بجيش الحر. أي أن داعش لم يسيطر على أية منطقة من النظام.

وما يمكننا استنتاجه بأن النظام البعثي كان قد هيئة أرضية تشكيل جماعات إسلامية متطرفة في سوريا ضمن سجن صيدنايا. وبأن الأسد عمل على تأكيد وجهة نظره بأن سوريا تتعرض لمؤامرة عبر السجناء الذين أفرج عنهم من سجن صيدنايا، إضافة لشرعنة هجماته على معظم المدن السوري بحجة محاربة الإرهاب. علماً بأن النظام لم يواجه مرتزقة داعش بعد إعلانهم بشكل مباشر، ولم تحدث بينهم وبين داعش أي معارك طاحنة كما حدث في مدينة حلب وريف دمشق والغوطة الشرقية.

داعش حكمت الرقة أكثر من 3 أعوام ولم يقم النظام البعثي بأي حملة عسكرية تذكر، بل على العكس من ذلك وبحسب الوثائق التي الظهر كانت هناك علاقة وطيدة بين النظام وداعش.

بحسب مقال نشرته صحيفة “التلغراف” البريطانية عام 2015، فإن النظام البعثي لم يكن يشتري النفط من داعش وحسب، بل كان يساعد داعش أيضاً في تشغيل وإدارة بعض مرافق النفط والغاز. وأشارت الصحفية إلى أن النظام من أكبر المتعاملين مع داعش في مجال النفط، حيث يتمّ بيع النفط له عبر تجار وسطاء غالباً، ليعود الأخير ويوزعه في المناطق التي يسيطر عليها بأسعار منخفضة نسبياً، لكسب ولاء السكان وبسط السيطرة. وأوضحت الصحيفة ايضاً بأنه وفي بعض الأحيان يقوم النظام بإمداد المدن الواقعة تحت سيطرة داعش بالكهرباء مقابل الحصول على الوقود.

وتقول المعلومات التي وردت في تحليل صدر عن مركز IHS Jane’s Terrorism and Insurgency Center (JTIC). أن حوالي 64% من الهجمات التي قامت بها داعش خلال عام 2015 في سوريا، استهدفت الجماعات المعارضة لنظام الأسد، و13% فقط من هذه الهجمات استهدفت قوات النظام.

وبحسب معطيات JTIC تبين أن عمليات الأسد كان أكثر من ثلثيها غارات جوية، استهدفت جماعات أخرى غير داعش. فمن 982 عملية من عملياته لمكافحة معارضيه بداية عام 2015 وإلى 21 تشرين الثاني، 6 % منها فقط وجهت مباشرة على داعش.

وبالنظر إلى مدينة تدمر وعملية سيطرة داعش عليها في 20 أيار 2015 نلاحظ بأن النظام البعثي لم يبدي أي مقاومة تذكر، بل انسحب منها وخلف وراءه كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة، لتقع بيد المرتزقة. وبعد فترة وجيزة استعاد النظام أو سلم المرتزقة مدينة تدمر لهم بعد أخذ كافة الأسلحة والعتاد العسكرية المتواجد هناك.

وبحسب وثائق حصلت عليها شبكة “سكاي نيوز” البريطانية وقتها فأن استعادة النظام السوري لمدينة تدمر الأثرية من داعش كان على ما يبدو جزءاً من اتفاق مدبر، أتاح لداعش سحب أسلحته الثقيلة من المدينة قبل الانسحاب.

ومن الوثائق التي عرضتها “سكاي نيوز” أيضاً، الأمر العسكري الذي أصدره أحد أمراء داعش إلى رجاله في مدينة القصر، بالانسحاب من المدينة، وبنقل “كل التجهيزات والأسلحة إلى المنطقة المتفق عليها، قبل قصف المدينة من الجيش السوري” وهو الأمر الذي حصل فعلاً.

اذاً عملية سيطرة داعش على تدمر في كلا المرتين يمكن ان ترجح بأنها عملية استلام وتسليم بهدف تزويد داعش بالسلاح من جهة، وشرعنة النظام لنفسه بمحاربة الإرهاب في سوريا بعد ذلك.

وأوضح في تلك الآونة عدد من الخبراء والمختصون بأن المستفيد الأكبر من سيطرة داعش على مدينة تدمر هو النظام وحليفته روسيا لصرف الأنظار عن الجرائم والانتهاكات التي يقومان بها شرقي حلب، في الوقت الذي تصاعدت النداءات الدولية لوقف إطلاق النار شرقي حلب، بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عقب الاجتماع الذي عقد في 9 كانون الأول 2016، والذي نص بوضع نهاية فورية وكاملة لجميع الهجمات العشوائية على المدنيين في وسوريا ولا سيما في حلب.

ويبدو أن اعلان النظام السوري وحلفاءها في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 السيطرة على مدينة دير الزور، عبر عملية عسكرية جرت بدعم جوي روسي، لا تختلف كثيراً عما جرى في تدمر، وخير دليل على ذلك ما جرى في مدينة بوكمال في 9 تشرين الثاني حيث أعلن النظام السوري بأن قواته حررت المدينة داعش بهد أن التقاء وحدات من جيش السوري وحلفاؤها مع القوات العراقية عند الحدود المشتركة بين العراق وسوريا، وفي 11 أعلن داعش مرةً أخرى سيطرته على المدينة.