Tev-Dem

فوزة يوسف: لوزان رصفت طريق الدولة القومية وتحولت لمطاحن طحنت شعوبها

368

قالت فوزة يوسف, إن اتفاقية لوزان هي التي رصفت طريق الدول القومية في المنطقة، لذلك هناك حاجة إلى نظام  جديد ومفهوم جديد بحيث تتخلص الشعوب من كونها أعداء لبعضها وأن تتحول هذه الهويات القاتلة التي تقتل يومياً بعضها البعض إلى هويات مسالمة، لذلك فإن طرح الأمة الديمقراطية والدولة اللامركزية هو الذي يمكن أن ينقذ المنطقة من دوامة الحرب العقيمة التي نعاني منها.

جاء ذلك خلال حوار أجرته وكالة أنباء هاوار مع الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لفيدرالية شمال سوريا فوزة يوسف حول اتفاقية لوزان ونتائجها, وتأثيرها على شعوب تركيا وعلى الواقع الكردستاني ودور الحراك الشعبي.

وفيما يلي نص الحوار..

ما هي الظروف التي أدت إلى إبرام اتفاقية لوزان بعد الحرب العالمية الثانية؟

نتيجة الانهيار السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي تعرضت له  الدولة العثمانية والتي كانت تسمى حين ذاك بالرجل المريض لم تتمكن من الانتصار في الحرب العالمية الأولى وتعرضت هي وحلفاءها للهزيمة بحيث قامت حينها الدول المنتصرة في الحرب بفرض شروطها والقيام بتقسيم التركة العثمانية أولاً في معاهدة سيفر وبعدها في معاهدة لوزان, معاهدة سيفر لم تُقبل من قبل الأتراك حيث كانت تعطي حق الاستقلالية لكل الشعوب التي كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية، وكان قد قيّمها كمال أتاتورك بأنها بمثابة حكم الإعدام بالنسبة لهم،  لذلك لم يقبلوا بشروطها, قام كمال أتاتورك بتشكيل قوة مشتركة من الأتراك والكرد ليقوموا بتحرير المناطق التي تم الاستيلاء عليها حين ذاك من قبل الدول المنتصرة، ليسميها بحرب التحرير، و أقنع الكرد حينها بأنه  سيكون هناك اعتراف بحق الكرد و بأن الكرد سيكونون جزءاً من الجمهورية التركية, و بالفعل شارك الكرد في هذه الحرب وتم استعادة  السيطرة على الكثير من المناطق مما أدى إلى أن تعيد الدول التي أبرمت اتفاقية سيفر  النظر فيها وتعمل لإبرام اتفاقية جديدة وذلك من أجل إيقاف الهجوم المضاد والقوي من قبل الأتراك والكرد تحت قيادة كمال أتاتورك. وكذلك لخوف هؤلاء من احتمالية عقد اتفاق بين أتاتورك والاتحاد السوفيتي الذي بدأ يتطور حين ذاك، وليتمكنوا من السيطرة على الأحداث بحيث لا تتفاقم بشكل أكثر وتقلب عليهم.

بذلك تم إيقاف اتفاقية سيفر التي لم تنفذ بالأصل ليتم العمل على إبرام اتفاقية لوزان في  ٢٣ تموز ١٩٢٣. هذه الاتفاقية كان لها العديد من البنود ولكن المهم هنا هو أنه لا يتم ذكر أي شيء بخصوص الكرد، وتم فقط وضع بعض المواد العامة التي تؤكد على أنه سيتم حماية كل المواطنين في تركيا بغض النظر عن قوميتهم أو ثقافتهم أو جنسيتهم، وأن يتم ممارسة كل اللغات الموجودة فيها بشكل حر أيضاً دون فرق. و كل الوعود التي وعدوا بها الكرد صارت في مهب الريح، ليتم بعدها البدء  بمرحلة إنكار الهوية الكردية والعمل على إبادة الكرد ثقافياً وجسدياً ولتستمر هذه الممارسات إلى يومنا هذا.

كيف تقيمون نتائج هذه الاتفاقية في ظل الفشل التركي بعد مرور ٩٥ سنة؟

برأيي نتائج هذه الاتفاقية كانت كارثية بالنسبة لتركيا، لأنها لم تعش الاستقرار حتى الآن، وكانت منذ ذلك الوقت دولة الانقلابات، لأن اسم الجمهورية ظل حبراً على ورق و لم يتم أخذ النظام الجمهوري بعين الاعتبار، بالعكس تماماً تم تشكيل دولة قومية تنكر جميع الهويات وتفرض الهوية التركية  على كل شيء, مما أدى إلى أن  يكون هناك صراع دائم بين الدولة وبين المواطن وأيضاً بين الدولة وبين المكونات، و بين الدولة وبين المعتقدات، وتم ارتكاب أفظع المجازر في ٩٥  السنة الماضية، بحق الشعب الكردي، بحق العلويين، بحق حتى الأتراك  غير الموالين للدولة التركية، فتاريخ الجمهورية التركية  لم يكن تاريخاً مسالماً وإنما هو تاريخ المذابح وهو تاريخ حرب دائمة مع الشعب التركي ومع الشعوب الأخرى من قبل الأتراك البيض وهم الأتراك الذين يحتكرون كل شيء بما فيها السلطة، القوة والمال وما تعيشه الدولة التركية من تخبطات هو نتيجة عدم تغيير هذه السياسة والاستمرار فيها.

كيف أثرت هذه الاتفاقية على الواقع الكردستاني ودور الحراك الشعبي في إفشال هذه الاتفاقية وخاصة مشروع الأمة الديمقراطية؟

لقد كانت هذه الاتفاقية  الإقرار الشرعي بإبقاء الكرد خارج الخريطة السياسة بكل معنى الكلمة, يمكن القول بأن هذه الاتفاقية التي عقدت بين الجمهورية التركية والامبراطورية البريطانية  التي أدت إلى رسم الحدود بين تركية والعراق كانت أخطر اتفاقية. أدت إلى تمزيق جسد كردستان, بالطبع لم يتم تحديد هذه الاتفاقية  بالناحية السياسية فقط إلا أنه كان قرار تصفية ليس إلا, حيث قامت كل من روسيا وانكلترة بالاتفاق مع الدول المستعمرة لكردستان على تصفية الحركات التي قام  فيها الكرد مثلما تم في حركة سمكو حيث قامت تركية وانكلترة بمساعدة شاه إيران بتصفيتها، أيضاً بالنسبة لحركة محمود برزنجي في جنوب كردستان حيث تم تصفيتها.

بالطبع إننا اليوم نعيش ظروفاً مشابهة لهذه الفترة حيث هناك حرب تقسيمية جديدة في المنطقة ومازالت قوانين معاهدة لوزان هي السارية، على أربعة أجزاء كردستان, إننا ككرد يجب أن نقرأ هذه الفترة جيداً ونستخرج الدروس لكي لا نعيش نفس المأساة, هناك غفلة كبيرة وهو التفكير بأن استهداف شعبنا في شمال كردستان أو في جنوب كردستان هو استهداف لحزب فقط, ولكن هذا خطأ فادح، إننا يجب أن نعلم بأنه استهداف أي جزء هو استهداف للأجزاء الأخرى أيضاً، الوعي التاريخي مهم جداً وإذا ما قمنا بدراسة وضع الحركات بعد الحرب العالمية الأولى و كيفية عمل الدول المتحالفة على تصفيتها، سنعرف جيداً حقيقة ما نعيشه اليوم.

إننا بحاجة إلى استراتيجية سليمة من أجل أن نتجاوز شروط اتفاقية لوزان، واستراتيجية الأمة الديمقراطية هي الترياق الذي يمكن أن نحقق به وأن نتصدى لسم الدولة القومية وتداعياته, لأن اتفاقية لوزان  هي التي رصفت طريق الدول القومية في المنطقة والتي تحولت مع الزمن إلى مطاحن تطحن شعوبها ، لذلك هناك حاجة إلى نظام  جديد ومفهوم جديد بحيث تتخلص الشعوب من كونها أعداء لبعضها وأن تتحول هذه الهويات القاتلة التي تقتل يومياً بعضها البعض إلى هويات مسالمة تعيش معاً ضمن أطر ديمقراطية. لذلك طرح الأمة الديمقراطية والدولة اللامركزية أو الدولة + الديمقراطية هو الذي يمكن أن ينقذ المنطقة من دوامة الحرب العقيمة التي نعاني منها .

ما تمارسه تركيا اليوم من سياسات ضد سوريا والعراق والتي يذكر أنها إحياء للميثاق الملّي، برأيكم هل تسعى تركيا اليوم من خلال  التطورات والنزاعات التي تشهدها المنطقة إلى  استعادة ما خسرته في هذه الاتفاقية ؟ و كيف  للشعب الكردي أن يفشل مثل هذه الاتفاقيات؟

تركيا تحلم بأن تعيد أمجاد الدولة العثمانية، وتحاول أن تعيد حدود الميثاق الملّي، ولكن الظروف الدولية لا تسمح بهذا الشيء والتوازنات الموجودة غير ملائمة لتحقيق ذلك, إلا أن هذا لا يعني بأن تركيا استغنت عن حلمها هذا، ومحاولاتها في سوريا والعراق هو تأكيد لهذا الشيء.

أما بالنسبة لكيف يمكن أن يقوم الشعب الكردي بإفشال مثل هذه الاتفاقيات فيمكن تلخيصه بهذا الشكل, في البداية يجب أن يتم وضع المصالح الوطنية فوق كل المصالح, ومن ثم يتم  العمل وفق استراتيجية موحدة لأن الانقسام يضعف من قوة الضغط على القوى الدولية من أجل ضمان حقوق الكرد.

ويجب أن ننظم مجتمعنا بشكل جيد من كل النواحي وأن لا نعتمد فقط على الاتفاقات التي يمكن أن تتغير وفق المصالح, ليقوم الكرد والشعوب الأخرى بالعمل معاً من أجل  ترسيخ التعايش السلمي وأيضاً العمل من أجل وضع استراتيجيات مشتركة لمناهضة مثل هذه الاتفاقيات التي تستهدف مستقبلنا، فالعلاقة الاستراتيجية بين الشعوب والمكونات مصيرية جداً.

وعدم إهمال مبدأ الدفاع المشروع وتنظيم وإعداد هذه القوة باستمرار، بما أنه لا يوجد ضمانات دستورية ودولية أو تسوية سياسية, ويمكن بالطبع أن يتم إضافة مواد أخرى ولكن هذه هي الأساسيات باعتقادي.