منذ إعلان دونالد ترامب انسحاب القوات الأمريكية من شمال سورية ، يتجدد طلب تركيا إقامة منطقة أمنة شرقي الفرات على طول حدودها مع سورية شرقي الفرات بعمق ٣٢ كم داخل الأراضي السورية وعلى مسافة ٤٦٠ كم . وتصر تركيا أن تكون إدارة المنطقة الآمنة بيدها وحدها بحجة أنها تمتلك كل المؤهلات لذلك، وأنها نجحت غربي الفرات بإقامة منطقة خفض تصعيد خالية من الإرهابيين ، وبالتالي نقل تجربة غربي الفرات إلى شرقي الفرات، من وجهة نظر تركيا، سيحافظ على وحدة أراضي الدولة السورية ، ويمنع الكرد من أنشاء أي كيان لهم هناك، ويقضي على من تدعي أنهم الكورد الإرهابيين.
الكرد يرفضون المناطق الآمنة بإدارة تركية لأنها طرف صراع
تتجاذب الإدارتين الأمريكية والتركية حول فكرة المنطقة الآمنة ، دونما بلوغ نقطة تسوية أو اتفاق بينهما . فتركيا تصر على تفردها بإدارة المنطقة الآمنة، وأمريكا تصر على أن يكون لحلفائها الأوربيين دور فيها، وتهدد تركيا بعقوبات اقتصادية شديدة إذا تعرضت لحليفها الكردي في سوريا ، بينما يرفض الكرد المنطقة الآمنة بإدارة تركيا لأنها طرف في الصراع وغير مستقل ، ولأنها تدعم الإرهاب في سورية.
الثقة معدومة بين تركيا والدخول الأخرى حول سوريا
وفي كل مرة تجدد تركيا مطالبتها بالمنطقة الآمنة يعود الحديث إلى نقطة البداية دونما أي تقدم بسبب فقدان الثقة بين جميع الأطراف ، سواء بين تركيا وأمريكا ، أو بين أطراف أستانا ( روسيا وايران وتركيا ) ، أو بين الأطراف السورية الداخلية وخاصة بين الإدارة الذاتية والنظام . ويعتبر تمسك أمريكا بحليفها الكرد في سورية العقبة الكأداء أمام طموحات تركيا التي يفسرها بعض المراقبين أطماع قديمة لها في شمال سورية تثير مخاوف جميع الأطراف الأخرى .
التدخل التركي في الشمال السوري غير مطمئن، وتعقد حل الأزمة السورية أكثر
إن تجربة الاحتلال التركي لمناطق سورية غربي الفرات منطقة ( الباب ـ اعزاز ـ عفرين ـ جرابلس ) لا تدعو للاطمئنان من جهة السوريين إذ أن تركيا تجري هناك تغييرات ديمغرافية عرقية وتطمس المعالم السورية لهذه المنطقة، وحلفاؤها من الجماعات المسلحة المعارضة هم ممن ينتمون للإخوان المسلمين واشتقاقاتهم، وهؤلاء يقدمون انتماءهم الإسلامي على أي انتماء وطني. ونقل هذه التجربة إلى شرقي الفرات يعني المزيد من تعقيدات المسألة السورية، وتعقيدات الحل السياسي ، وزيادة الفرقة بين مكونات الشعب السوري . وتفيد تجارب سابقة في العالم تتدخل فيها دول الجوار بمسميات مختلفة تخفي غير ما تظهر ، فتتحول إلى احتلال غاشم .
تركيا لا تلتزم بتعهداتها بسبب اطماعها في عموم الشمال السوري
إن تركيا لم تلتزم بتعهداتها في استانا حيال المنطقة معزولة السلاح ، وتنظيم القاعدة ، في إدلب . وهي تؤجل أي حل مع شركائها روسيا وايران ، والسبب هو أطماع تركيا التي لا تخلص في عموم الشمال السوري مستغلة تناقضات السياسة الدولية تجاه المسألة السورية ، وعلاقاتها بجميع أطراف الصراع الدوليين والاقليميين في سورية.
شروط تركيا لا تعني منطقة آمنة بقدر ما تعني احتلال
ولكن هذه الأسباب نفسها هي التي تحول دون قبول أطراف الصراع المنطقة الآمنة بمقاييس ومواصفات تركيا .لقد أدار الجميع ظهره لمطالب تركيا في المنطقة الآمنة، ولا يعني تجدد المطالبات التركية كل فترة وأخرى أن أطراف الصراع ، وخاصة الولايات المتحدة ، التي تتذرع تركيا كل مرة بالتفاهم معها حول المنطقة الآمنة ، قد أداروا لها صدورهم ، لأن شروط تركيا لا تعني منطقة آمنة بقدر ما تعني منطقة احتلال .
د. مهيب صالحة