عفرين- شعبٌ نظم نفسه بموجب المجتمع المحارب، يعملون كخلية نحل، متمسكون بأرضهم ووطنهم، النساء يعددن الطعام للمقاتلين، الرجال والكهول يحرسون القرى، الشباب يرسلون الطعام لجبهات القتال الأمامية بطرقهم الخاصة، الأطفال يلعبون في أزقة الحارات المتعرجة.
الحروب ليست مواجهة بين طرفين متصارعين فقط، إنما الحرب الحقيقية هي مجابهة مجتمع بكافة شرائحه وفئاته لكافة الهجمات التي تشن عليه وعلى أرضه، وأن ينظم نفسه بموجب تلك الهجمات من كافة النواحي الخدمية والاجتماعية والحماية والدفاعية.
بدخول قرى ناحية بلبلة نلاحظ ذلك جلياً، مثال المجتمع الذي نظم نفسه على أساس مجتمع محارب، على الرغم من قصف قراهم وبشكل يومي بعشرات القذائف الصاروخية والمدفعية وحتى قصف قراهم بالطائرات الحربية التركية، صامدون في الجبهات الخلفية خلف أبنائهم وبناتهم.
هذا، ونظم أبناء قرى بلبلة أنفسهم عبر الكومينات والمجالس، ففي كل منزل يتواجد أكثر من 3 عوائل، أي كُل عائلة احتضنت عائلة أخرى ممن نزحوا من القرى التي احتلها جيش الاحتلال التركي ومرتزقته بعد العدوان التركي على عفرين في 20 كانون الثاني، والذي مازال مستمراً.
بدخول أي قرية على خطوط التماس ترى أعضاء قوات حماية المجتمع في مدخلها ومخرجها يحمون القرية ليل نهار. النساء نظمن أنفسهن بشكل مذهل، تستيقظن في ساعات الصباح الباكر منذ بدء العدوان، تقمن بإعداد الطعام في أحد المنازل للمقاتلين والمقاتلات في الجبهات الأمامية، تعتبرن عملهن وبقاءهن في القرى مواجهة للاحتلال التركي بحد ذاته، تنددن بمحاولة جيش الاحتلال التركي تفريغ قراهم.
بعد إعداد أفضل الأطعمة تقمن بتغليفه على شكل وجبات، من ثم يقوم أحد شبان القرية بإيصاله لإحدى النقاط التابعة لوحدات حماية الشعب والمرأة، الذين بدورهم يقومون بتوزيعه على الجبهات.
نساء قرى بلبلة يعتبرن أن قصف جيش الاحتلال التركي لقراهم ومدنهم هو بسبب ضعف وعدم قدرة جيش الاحتلال على مواجهة مقاتلي ومقاتلات وحدات حماية الشعب والمرأة في الجبهات الأمامية، ويوضحن أن القصف التركي يزيدهن إصراراً على البقاء والصمود خلف أبنائهن وبناتهن.
أليفة عمر امرأة في الـ 60 من عمرها، خاطبت أردوغان قائلة نحن الأمهات والنساء الكرديات لسنا كغيرنا نفر من منازلنا، ها نحن نتحدى قذائفك وطائراتك، صامدات والصمود هو عنوان وشعار.
مقاتلو ومقاتلات وحدات حماية الشعب في الجبهات الأمامية يثنون على جهود أمهاتهم اللواتي يعملن على مدار 24 ساعة من أجل تلبية احتياجاتهم في جبهات القتال. المقاتلة في وحدات حماية المرأة امار بوطان التي تقاتل جيش الاحتلال التركي في إحدى الجبهات توجهت بالشكر لكافة الأمهات وشعب عفرين، وقالت ليكون الحليب الذي رضعناه من صدور أمهاتنا اللواتي يبذلن الآن جهوداً جبارة من أجلهم اليوم نحارب في الجبهات الأمامية، وأوضحت بأنهم سيحاربون العدو وسينتصرون.
وفي السياق نفسه ومن جهة أخرى يحرس كهول ورجال قرى خطوط التماس والذين نظموا أنفسهم ضمن قوات الحماية المجتمعية قراهم، فعلى الرغم من سقوط القذائف بالقرب منهم يقومون بمهامهم على أكمل وجه، يراقبون القصف. أوضحوا بأنهم هيئوا أنفسهم لهذه الحرب منذ سبع سنوات، ونظموا أنفسهم عبر الكومينات والمجالس، التي تقوم في هذه الآونة على تأمين احتياجات قرى الناحية من المواد الغذائية وبشكل خاص مادة الخبز، التي كان يؤمنها أبناء القرى من فرن بلبلة قبل دخول جيش الاحتلال التركي إليها.
جبالنا وأبناؤنا لا يخونوننا
شعبان أحمد كهل في الـ 70 من عمره، كان جالساً مع مجموعة من زملائه في مدخل إحدى القرى على خطوط الجبهة بجانبه عصا، ينظر كيف يقصف جيش الاحتلال التركي قرى بلدة الناحية، علامة الغضب مرفقة بابتسامة كانت بادية على وجهه، ويردد “أااه كم هؤلاء جبناء، لا يمكنهم مجابهة أبنائنا وبناتنا في جبهات القتال لذا يقصفون قرانا بالطائرات والقذائف، لكي نهرب منها، ولكنهم لا يعلمون بأننا أصحاب أرض وبأن جبالنا وأبناؤنا لا يخونوننا، طالما جبالنا شامخة وأبناؤنا صامدون لن نترك هذه الأرض المقدسة”.
أوضح أحمد أنهم هزموا داعش في عفرين، لأكثر من شهر وثاني دولة في حلف الناتو وبسلاح الناتو تهاجمهم ولم تستطع التقدم، وإحراز أي تقدم.
في القرى الغربية لمقاطعة عفرين، وبالتحديد القرى المحاذية لخطوط
التماس بين وحدات حماية الشعب والمرأة وجيش الاحتلال التركي، نلاحظ جلياً التنظيم المتين لأهالي تلك القرى، نظموا أنفسهم بحسب شروط وظروف الحرب، متحدين العدوان التركي وصامدين في قراهم.