عفرين– رفضا أن يستسلما لهول القذائف والطائرات والبرد، خلال 26 يوماً من انقطاعهما عن رفاقهما، فكانت الأمطار الهاطلة تروي عطشهما وأعشاب جبال عفرين تسد جوعهما.
بعد فقدان الاتصال بهما لعدة أيام، أعلنت وحدات حماية الشعب والمرأة عن استشهاد المقاتلة آفرين معصوم والمقاتل شورش عامودا، وذلك خلال مراسم مهيبة بحضور الآلاف من الأهالي. أهالي عفرين لم يكونوا يعلمون أن آفرين وشورش ما زالا على قيد الحياة ويقاومان على أطراف قرية علبيسكة في منطقة راجو بعفرين.
وفي الـ 27/ من شهر كانون الثاني دارت معارك قوية بين وحدات حماية الشعب والمرأة وجيش الاحتلال التركي ومرتزقته في قرية علبيسكة الحدودية، وكان من بين المقاومين آفرين وشورش.
آفرين إلى جانب أنها مقاتلة تعمل كعضوة في المكتب الإعلامي لوحدات حماية المرأة، فتحمل كاميرتها بيد وسلاحها باليد الثانية، وتقول آفرين إنها توجهت إلى قرية علبيسكة وبيدها الأداتان، “كان هدفي هو توثيق ما يحدث والوقوف إلى جانب رفاقي ورفيقاتي في صد العدوان التركي”.
فتوجهت آفرين إلى مكان مناسب لها، وبدأت الاشتباكات الساخنة على حد وصفها، حيث كان الطرفان يتبادلان إطلاق النار، كما أن جيش الاحتلال التركي كان يحاول التوغل داخل القرية بمساعدة الطائرات والمدافع، وفي وصفها لذلك الموقف قالت آفرين “كانت القذائف تنهال علينا كالمطر”.
وقعت إحدى القذائف بالقرب من آفرين وشورش ومقاتل آخر، فأصيبت آفرين بجرح في ركبتها وحرق في أسفل قدمها، فيما أصيب شورش بشظايا في أماكن متفرقة من جسده، واستشهد المقاتل الآخر جانبهم.
ووصفت آفرين الحدث ما بعد إصابتها وقالت “بقينا مختبئين لعدة ساعات وكانت المعارك مستمرة وضارية، حاولت مجموعة من رفاقنا لأربع أو خمس مرات إنقاذنا، إلا أن قذائف العدو كانت تنهال على محيطنا كالمطر”.
وتابعت آفرين حديثها قائلة إنهم لم يستطيعوا الحراك من مكانهم، نظراً لتحليق الطائرات الحربية في سماء القرية، “استمر الوضع لخمسة أيام متتالية، فلم نستطع التحرك من أماكننا، ولم يبقَ حجر على حجر في القرية نتيجة القصف”.
وقالت آفرين إنهم لم يتوقعوا أن يبقوا على قيد الحياة نظراً للتراجيديا التي مروا بها ووابل القذائف التي كانت تنهال على محيطهم.
هدأت الأجواء نوعاً ما وهذا ما دفع آفرين وشورش للزحف على بطنهما، واستطاعوا الخروج من القرية، إلى بعيد نوعاً منا عن القرية ما بين أشجار الزيتون، وتقول آفرين “كان البيت يقع في منطقة الفصل ما بين رفاقنا وجيش الاحتلال التركي، إلا أنني لم أكن أعرف المنطقة بدقة، لم أكن أدرك الاتجاه المتواجد فيه رفاقنا، حتى أننا لم نكن نملك وسيلة اتصال، لهذا بقينا 26 يوماً غير قادرين على التواصل مع أحد”.
رويداً رويداً كان البرد والجوع يسيطران على آفرين وشورش، لكن على الرغم من ذلك بقيت معنوياتهما مرتفعة على حد قولهما، في أمل منهم لإنقاذهما.
وأشارت آفرين في حديثها إلى أنهما لم يفكرا للحظة في الاستسلام وإنهما اختارا المقاومة، “الأمطار هطلت، فكنا نروي عطشنا من مياه الأمطار ونسد جوعنا بأعشاب جبال عفرين”.
لم تفقد آفرين وشروش الثقة برفاقهما أبداً وكانا طوال 26 يوماً موقنين أنهم سينقذونهما ولم يراودهما الشك.
وبصدد ما كانت تشعر به قالت آفرين “لأن قواتنا تسير على نهج الروح الرفاقية والفدائية التي تحدث عنها القائد آبو في مرافعاته، ولهذا يحتار العالم ويقف مذهولاً أمام مقاومتنا وصمودنا أمام أخطر التنظيمات وأعتى الجيوش”.
كانت آفرين تتكلم مع نفسها طيلة الأيام وتقول “ما هو وضع رفاقي؟ هل الكل على قيد الحياة؟، ومشيرةً إلى أنها كانت ترى رفاقها في حلمها وهم يأتون لإنقاذها وإن ذلك ما زاد من عزيمتها.
في إحدى العمليات التي خططت لها وحدات حماية الشعب والمرأة ضد جيش العدو التركي ومرتزقته، استهدفت الوحدات عربة عائدة للاحتلال التركي، قالت آفرين “كانت العربة قريبة منا، فلاحظ رفاقنا من خلال مراقبتهم للمكان، أن هناك أشخاصاً متواجدين في بيت، ودخل الرفاق إلى المنزل”.
“عندها صرخ شورش وقال “نحن رفاقكم”، عندها كنت منهارة القوى نتيجة الجوع والعطش، ففتحت عينيّ لأرى الرفيق جان فيدا أمامي فأخرجنا وأسعفنا”.
وفي كلمات أخيرة لها قالت آفرين “نسيت كل ما مر معي في ستة وعشرين يوماً وما تذوقت من ألم وتعب، عندما رأيت الرفاق أمامي فقد ولدت من جديد لكي أكمل المسيرة التي عاهدنا عليها الشهداء فلن نتقاعس عن تحقيق آمالنا وآمال رفاقنا الشهداء”.