عفرين ـ تحتضن مقاطعة عفرين منذ العصور القديمة العديد من المزارات الإيزيدية التي يعود تاريخها إلى 16000 عام قبل الميلاد ويقصدها الناس من مختلف الأديان والفئات الاجتماعية، طلباً للتبرك وتحقيق الرغبات، خلال طقوس وعبادات مختلفة.
تبلورت المعتقدات الدينية عبر العهود الإنسانية الطويلة، صيغت بأسماء وطقوس وعبادات مختلفة، ومقاطعة عفرين من الأماكن الغنية التي حضنت المزارات الإيزيدية على مر العصور.
كما أضفى الإيزيديون صفة التقديس على العديد من الأماكن والمواقع القديمة وضموها إلى طقوسهم، ويقصدون العديد من المزارات الدينية التي يقدسونها حسب معتقداتهم، يمارسون الطقوس ويقدمون الأضاحي أمام المزارات بغية تحقيق أمنياتهم.
وتقع المزارات أو “الأمكنة المقدسة “ضمن نطاق القرى الإيزيدية ويتبرك بها الإيزيديون والمسلمون على حد سواء، ويؤدون بجوارها ذات الطقوس والعادات مثل إشعال القناديل في ليلتي الجمعة والأربعاء أمام المزارات.
قديماً كان يسمى هذا الجبل اليوناني (كوريفه أو كوريفوس) بمعنى (القمة( وهو يقع في قمة جبل الشيخ بركات جنوبي مدينة عفرين بمسافة 30 كم ، وارتفاع قمته 870 م، على قمة الجبل مساحة مستوية من الأرض مربعة طول ضلعها 68 م.
يحيط بها سور أثري تهدمت حجارته الضخمة ويعتقد أنها بقايا مستوطنة قديمة، وفي الجهة الشمالية توجد أحجار بناء كبيرة، يشاهد على بعضها نقوش وصلبان، والمزار عبارة عن غرفة مربعة الشكل تعلوها قبة، وأسفلها قبو بأربع درجات.
وتقول المصادر الكتابية عن هذا المزار بأنه مقام إسلامي بعدما كان معبداً من العهد اليوناني مكرساً للرب )زيوس) إله الصاعقة لدى الإغريق، وهو زوج الآلهة (ريا).
فيما ورد أنه بقايا معبدين قديمين للإلهين (جوبيتر) و )سيلينة) من الفترة الرومانية والقرن الأول الميلادي وأن الجبل أخذ تسميته نسبة إلى مجاهد استشهد أثناء الفتوحات الإسلامية، يسمى محمد نوفل بركات.
ولمح تواجد كتابات على جدار معبد الشيخ بركات تبين استمرار البناء في الموقع منذ بداية القرن الأول الميلادي وحتى عام 170 للميلاد، ويعتبر المزار مقدساً لدى أبناء الطائفة الدرزية أيضاً، كما أنه من أهم المزارات الإيزيدية حالياً.
زيارة جيل خانه
يوجد في قرية قيبار مزار يسمى بجيل خانه ويتألف اسم جيل خانه من كلمتين “جيل وخانه” جيل بمعنى أربعين وخان بمعنى دار أو مكان، وتأتي بمعنى سيد أيضاً.
يقع المزار على بعد 2 كم جنوبي قرية قيبار، في وادي صخري عميق في جبل ليلون، المزار على هيئة كهف محفور في جرف صخري.
وفي أرضية الزيارة بعض الحفر التي تتجمع فيها المياه المترشحة من نوازل صغيرة في السقف الكلسي للمزار، وعلى بابها شجرة عرعر مزينة بمئات من قصاصات الأقمشة الملونة، تعلق من قبل زوارها على نية تحقيق أمنياتهم.
يقال بأن المزار كان مكاناً لمن يرغب بالتصوف والعبادة وصوم الأربعينية من الإيزيديين ومنها جاء اسمها أي “صوم الأربعين”، وبجانب المزار كانت هناك قبور ربما كانت لمتعبدين في المغارة، توفوا ودفنوا بجانبها.
يقصد المزار أشخاص من مختلف الأديان والفئات الاجتماعية، طلباً للتبرك وتحقيق الأمنيات ويقومون بلصق حصى صغيرة بجدران المزار لمعرفة مدى تحقق الرغبة.
زيارة ملك آدي
زيارة ملك آدي موقعها على جبل ليلون على بعد 2كم جنوبي قرية قيبار في ناحية شيراوا وعلى مسافة 300م فوق مزار جيل خانه، اسمها ملك آدي، يعتقد أنه مستمد من شيخ آدي (عدي بن مسافر).
موقعها جبلي صخري وشديد الوعورة ومبناها حجري تقليدي صغير ذو قبة، بجوارها أطلال قرية قيبار القديمة، وفي الجوار الشمالي للمزار بمسافة 300م توجد المقبرة القديمة والحالية للإيزيديين.
وكان لمزار ملك آدي أهمية لدى الإيزيديين في السابق، حيث كانت تصبغ فيه خرقة الإيزيدي الفقير(الناسك الزاهد( وهو طقس ديني يصبغ فيه لباس من يختار التنسك باللون البني الغامق بشجرة موجودة بجانب المزار تسمى زارغوس للتحول إلى حياة الفقير وعادة كان رجال الدين يقومون بذلك.
حيث أقدم البعض في صيف 1998 على نسف الجدار الشرقي من زيارة ملك آدي، وحفروا في أرضيته بحثاً عن الكنوز، لكن أعاد الإيزيديون بناءه مجدداً.
ومن المعالم الهامة الأخرى لموقع ملك آدي برج يسمى(برجا جندي(، ولا تزال أطلال البرج موجودة، أما)جندي) فهو أحد الإيزيديين المعروفين قديماً، ويقال أن البرج بني بالتراب المجبول بالحليب الذي كان يجمع بالتناوب من القرى الإيزيدية المجاورة ، لأن الحليب موثوق بطهارته، بينما يبقى الماء عرضة للتلوث.
وكان للبرج وظيفة دينية هامة، حيث يعتقد أنه استخدم مخزناً للـ (خرقه) المقدسة التالفة، كما استعمل لدفن بعض الإيزيديين المهمين.
تتواجد في قرية شاديرة بناحية شيراوا زيارة شيخ ركاب وهي عبارة عن مبنى قديم له قبة ومساحته كبيرة، تعتبر من المزارات الرئيسية للإيزيديين، توجد بجوارها مقبرة قديمة كان إيزيديو القرى المجاورة مثل باصوفان وغزاوية وأيسكا وشاديرة التابعة لناحية شيراوا، كفرزيت التابعة لناحية جندريسه، يدفنون موتاهم فيها.
زيارة بارسه خاتون
يتألف اسم المزار من مقطعين بارسه معناها تسول وخاتون أميرة أو سيدة، والمعنى الكردي للاسم الكامل هو الأميرة أو السيدة، المرأة المتسولة، السيدة المنعزلة، والتسول في العرف الشعبي لا يعبر عن الحاجة فلا بد من أنها سميت بذلك نظراً إلى تقربها لله أو إكراماً لأمر جليل.
وهي على قمة جبل بارسيه بجانب قرية قسطل جندو التابعة لناحية شيراوا، مساحتها صغيرة تقليدية في مبناها بابها إلى الشرق، أمامها شجرة سنديان معمّرة وضخمة، وفي غربها مقبرة قديمة وبجانبها خزان ماء كبير يعود لقلعة جنبلاط التي تقع خرائبها إلى الشمال من الزيارة بنحو 100م.
المزار في الجنوب الغربي من قرية قسطل جندو بحوالي 205كم، بابه من جهة الشرق وجداره الجنوبي يشبه المحراب، حيث يعتبره الإيزيديون مزاراً خاصاً بهم، وتوجد بجانب الزيارة مقبرة للإيزيديين وبئر ماء قديم وأحجار ضخمة لبناء أثري تدل على أن للمكان خصوصية تسبق ظهور الإسلام.
موقعها وسط قرية باصوفان بجانب الطريق العام، مبناها تقليدي وحجارتها ضخمة تدل على قدم بنائها، وبنيت بأحجار الأبنية الأثرية القديمة.
زيارة منان
المزار على قمة المرتفع المطل على قرية كفرجنة التابعة لناحية شرا، مبناه تقليدي وعلى قبته طلاء باللون الأخضر كونه اللون الذي يدل على الطهارة والنقاء حسب الإيزيديين، يزوره العديد من مختلف الأديان ويقدمون عنده الأضاحي للتبرك والنذور ويرونه أملاً في تحقيق الأمنيات.
شيخ قصب “قصاب“
يقع هذا المزار ما بين قريتي كلوته وبرج القاص على جبل ليلون، زيارة شيخ قصب عبارة عن كهف في سقفه نوازل صغيرة تترشح منها مياه عذبة، ويتبرك بالمزار الإيزيديون والذين أسلم منهم من قرى شيراوا.
كما تتواجد في قرية كيمار أيضاً قنطرة على شكل معبد في أعلاه يتواجد رسم طائرين يشبهان الطاووس وفي المنتصف شكل كروي كالشمس، وفي منتصف الشكل الكروي يتواجد الصليب المتوازي الأضلاع.
ويعتبر هذا المعبد الإيزيدي من أقدم المعابد في المنطقة، ويعود تاريخ بنائه إلى حوالي 1600 عام قبل الميلاد.
وخلال لقاء أجرته مراسلة وكالة أنباء هاوار مع الرئيس المشترك لاتحاد الإيزيديين بير شامو حسن بين خلاله أن المزارات تعود إلى آلاف السنين، منها مزار جيل خانه الذي يعد قديماً جداً، حيث كان الإنسان يعبد بداخله الله منذ العصر الحجري وقال “يوجد في مدينة عفرين 65 مزاراً عائداً للإيزيديين وتمت دراسة 35 منهم، وعلى معظم المزارات توجد إشارة الصليب المتوازي الأضلاع ويشير إلى رمز التكوين ونشأة الكون وهو الماء، الهواء، التراب والنار”.
وأشار بير شامو إلى تواجد مزار قديم جداً وهو مزار بيرجاف يشبه الكهف، يعود لآلاف السنين وهو موثوق، والدليل على ذلك بابه الأمامي الصغير، وقال” يزور المزارات ليس فقط الإيزيديون، بل مختلف الطوائف، كما أن هناك العديد من الأهالي طلبوا الأماني وتحققت رغباتهم ويعود ذلك إلى مدى إيمانهم، كما أن هناك العديد من المزارات مدمرة”.