Tev-Dem

اللغة الكردية في روج آفا…من مدرسة في منزل شعبي إلى افتتاح الجامعات والمعاهد

511

كوباني- نشأت في سياق ثورة روج آفا التي بدأت من العام 2012 ثورة رديفة، يؤكد الجميع بأنها ثورة اللغة التي كسرت جميع الحواجز واستطاعت انجاز الكثير في مدة لم تكن بطويلة.

يصادف اليوم 21 شباط من كل عام اليوم العالمي للغة الأم، اللغة التي يقول عنها قائد الشعب الكردي بأنها “الوجود الهوياتي واللفظي المدرك والمعبر عنه بالنسبة للمعنى والعاطفة, والمجتمع الذي يعبر عن ذاته على امتلاكه الحجة القوية للحياة, ذلك أن مستوى رقي اللغة هو مستوى تقدم الحياة, أي بقدر ما يرقى مجتمع ما بلغته الأم”.

يعود اختيار هذا اليوم إلى اليوم الذي فتحت فيه الشرطة في دكا عاصمة بنغلاديش النار على التلاميذ الذين خرجوا متظاهرين للاعتراف بلغتهم الأم البنغالية لغة رسمية في باكستان بشطريها الغربي والشرقي آنذاك.

وتعود تلك الأحداث إلى عام 1948, عندما قام مؤسس جمهورية باكستان محمد علي جناح بالإعلان عن فرض “الأوردية” لغة وطنية وحيدة, يتم التداول بها على الأرضي الباكستانية باعتبارها اللغة الجامعة لأغلب العرقيات في باكستان.

ونتيجة لذلك قامت الطبقات الوسطى المناهضة في “باكستان الشرقية” جمهورية بنغلاديش الحالية قبل انفصالها عن باكستان, بانتفاضة عرفت لاحقاً بـ “الحركة اللغوية البنغالية ” حيث تظاهر الطلبة ضد القرار, ففتحت الشرطة الباكستانية عليهم النار مما أدى إلى مقتل 5 من الطلبة البنغاليين  بالقرب من كلية الطب في مدينة دكا 21 شباط  1952.

وباقتراح من دولة بنغلاديش, وافقت اليونيسكو على تخليد هذا اليوم تحت عنوان “اليوم العالمي للغة الأم” في مؤتمرها العام في نوفمبر 1999, بموافقة 28 دولة, ويحتفل بهذا اليوم سنوياً منذ شباط/فبراير عام 2000.

اللغة الكردية الواقع والآفاق

لعل أبرز اللغات التي كانت مهددة بالاندثار هي اللغة الكردية، التي تمثل اللغة الأم للملايين من أبناء الشعب الكردي.

التهديد جاء من السياسات التعسفية التي كانت وما تزال الأنظمة المحتلة لأجزاء كردستان الأربعة تفرضها، النظام السوري البعثي كان أبرزهم وليس الوحيد، حيث فرض اللغة العربية في المناطق الكردية وفرض لغة واحدة ألا وهي العربية انطلاقاً من مبدأ الأمة الواحدة والعلم الواحد كما حدث في باكستان.

باقي أجزاء كردستان لم تكن بمنأى عن هذه السياسات، باكور (شمال) كردستان كانت أبرز المناطق التي تعرضت لأشد هجمات الإبادة اللغوية إن صح التعبير.

ومهما كان دور الأحزاب الكردية في تعميم اللغة الكردية والمحافظة عليها إلا أنه لم يرقى لمستوى يمكنه من المحافظة الأبدية عليها.

لكن ثورة روج آفا غيرت الكثير من الوقائع، ومنها واقع اللغة الكردية التي تطورت وافتتحت لها مؤسسات رسمية وتربوية لتعلمها لأبناء الأمة الكردية.

في ظل النظام البعثي الذي كان يمارس سياسة الانصهار والقمع وإنهاء الوجود الكردي في سوريا, ولإحياء روح النضال والبحث عن الحقيقة وهوية الوجود في قلب الشعب الكردي كانت الحاجة إلى الثورة ملحة، وهو ما حصل في روج آفا.

يمكن القول بأن الشعب الذي لا يعرف شيئاً عن لغته الأم وآدابها وثقافتها ولا يتقنها يبقى ناقصاً. هذا الشي يلاحظ بشكل واضح في مجتمع روج آفا عندما نرى طالباً يدرس لغة ليست لغته في مدارس النظام ويتحدث في حياته اليومية بغلته الأم يعيش تناقضاً. وبالمقابل فإن التعلم باللغة الأم في المدارس والتحدث بها في الحياة اليومية يشكل للطالب قوة ودافعاً لمعرفة ما يحدث من حوله ويتوق إلى الحرية أكثر.

وضع اللغة الكردية قبل ثورة روج آفا

كانت نشاطات تعليم اللغة الكردية محدودة بشكل كبير في روج آفا، بدأت أولى ملامحها في العام 2006 حيث كان يتم افتتاح دورات تعليم بشكل سري في ظل سيطرة نظام البعث.

وفي مدينة كوباني افتتحت أول مدرسة لتعليم اللغة الكردية في مدينة كوباني باسم الشهيد أوصمان دادلي في الـ26من تشرين الثاني عام 2011 كخطوة أولى على طريق تعليم ونشر اللغة الكردية في مدينة كوباني بالرغم أنها كانت مؤسسة صغيرة من حيث المكان والكادر.

وأيضاً  في قرية دراقلية في ناحية ميدانكي بإقليم عفرين تم افتتاح أول مدرسة لتعليم اللغة الكردية في روج آفا بشكل علني, ويمكن القول بأن العدوان التركي على عفرين مرتبط كثيراً بغاية صهر اللغة الكردية وإمحاء وجود الشعب الكردي في سوريا, واستهداف العدوان لقرية دراقلية بناحية ميدانكي هو دليل على ذلك.

فعندما تتعلم وتقرأ بلغتك تتعرض لهجمات من الأمة التي تحارب تحت سياسة “الأمة الواحد, اللغة الواحدة والعلم الواحد” والتي تخاف من تعدد اللغات والأمم, لذا كان النظام البعثي عائقاً أمام تعلم الشعب الكردي بلغته الأم، فأصبحت اللغة الكردية منحصرة بين الحديث اليومي ضمن المجتمع ولم تدرس في المدارس فكان تأثير اللغة العربية هو الأكثر على المجتمع الكردي في المناطق الكردية.

ومع افتتاح مدرسة شهيد أوصمان دادلي في إحدى منازل المواطنين بحي الشهيد سرحد في مدينة كوباني دخل قطاع اللغة منعطفاً جديداً ليشكل أملاً لدى الشعب الكردي الذين قرروا سوياً إرجاع لغتهم الأم وإحيائها من جديد واختيارها أساساً لانطلاقة ثورة روج آفا.

اللغة الكردية بعد ثورة 19 تموز

وبعد تحرير مناطق روج آفا مع اندلاع ثورة 19 تموز عام 2012 والتخلص من النظام الفاشي والدكتاتوري، بدأت النهضة من زاوية اللغة الكردية من منزل صغير يحتوي كوادر محدودة إلى افتتاح مدارس ومعاهد لتدريس اللغة الكردية وتأسيس كوادر تعليمية مختصة بالآداب الكردية والثقافة واللغة الكردية، التي التف حولها الآلاف من الطلبة لتتحول إلى معاهد وجامعات لتعليم اللغة الكردية وتطويرها.

تم وضع برامج ومناهج باللغة الكردية للمراحل الدراسية الأولى والثانية والثالثة لتعلم اللغة الكردي، بالاعتماد على كوادر ومعلمين مختصين بإعداد المناهج الدراسية والاستفادة من تجارب الأجزاء الأخرى من كردستان.

ومع استشهاد المناضلة ومدرسة اللغة الكردية في كوباني فيان ’مارة بتاريخ 26 تموز من عام 2013 التي كرست كل قدراتها لتطوير اللغة الكردية في مدينة كوباني في ظل النظام البعثي وفقدت حياتها في صد هجمات جبهة النصرة على مدينة كوباني، حمل الإداريون والمعلمون والمعلمات في مؤسسة اللغة على عاتقهم لاستكمال طريق ونهج المناضلة فيان لتطوير اللغة الكردية إلى أعلى المستويات, فأصبحت ثورة روج آفا هي ثورة اللغة.

لم يقتصر انتشار اللغة الكردية في مدينة كوباني وريفها بل طال مدينة صرين وريفها, عين عيسى, تل أبيض ومدينة منبج وريفها, والمناطق المحررة من مرتزقة داعش كمنبج والطبقة.

اللغة الكردية بعد مقاومة كوباني

بعد المقاومة التاريخية التي أبداءها مقاتلو وحدات حماية الشعب والمرأة في قلعة المقاومة والصمود في كوباني والتصدي للمجموعات المرتزقة والداعمة لها, خطت مؤسسة اللغة الكردية خطوة كبير على طريق تطوير اللغة الأم في مدينة كوباني, حيث تم وضع مناهج متطورة أكثر في المدارس بمراحلها الابتدائية والإعدادية والثانوية باللغة الكردية.

وليكون الشعب لائقاً بروح الشهداء الذين سقوا بدمائهم أرض كوباني المقدسة، وليرتقوا بلغتهم الأم اللغة الكردية إلى أعلى المراتب عملت لجنة التدريب في المجتمع الديمقراطي التي أصبحت السقف لتطوير اللغة الأم في كوباني على افتتاح المدارس والأكاديميات والمعاهد والجامعات لإعداد المدرسين ومناهج اللغة الكردية وتدريسها في جميع مدارس مقاطعة كوباني بجميع مراحلها.

في روج آفا افتتحت 3 جامعات تعليمية واحدة في كوباني وأخرى في قامشلو وواحدة في عفرين إلى جانب العشرات من المعاهد والأكاديميات الفكرية لتطوير الأدب والثقافة الكردية بين المجتمع وإعداد الآلاف من الكوادر وتخريج المئات من الطلاب بجميع مراحلها في ثورة اللغة ضمن ثورة روج آفا