Tev-Dem

المرأة في عفرين … تاريخ من النضال ومقاومة المحتل

406

عرفت ثورة الشمال السوري بثورة المرأة، حيث كانت المرأة سباقة للانضمام إلى صفوف الثورة، وكان للمرأة في عفرين الدور الأكبر في ثورة الحرية.

ثورة المرأة التي حصلت على مكتسبات عدة نتيجة تنظيمها ومسيرتها نحو تحقيق حرية المجتمع والمرأة، فالمرأة في عفرين عُرفت منذ القِدم أنها ذات شأن في الأسرة، حتى أن بعض الأسر العفرينية العريقة عرفت بأسماء النساء على خلاف باقي المناطق السورية، وبهذا مهد الطابع الريفي الذي لا يُفرق بين الرجل والمرأة لتنظيم صفوف المرأة في عفرين، حتى اتخذت المرأة مكانة مميزة في كافة المجالات العسكرية والسياسية والإدارية والاجتماعية.

ومع انطلاق ثورة روج آفا، تطورت المؤسسات المعنية بشؤون المرأة ودخلت هذه المنظمات إلى كافة المنازل بدون استثناء، وبهذا شكلت صفوف النساء في عفرين أكثر فئات المجتمع تنظيماً، بل كانت عفرين السباقة لتبوء المرأة رئاسة المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية الديمقراطية، حتى باتت المرأة هي المحرك الفعال للمجتمع  قبل الرجل.

الديمقراطية والمساواة الجنسية التي تجسدت في نظام الإدارة الذاتية في عفرين، كانت مضرب المثل لدى العديد من وسائل الإعلام العالمية والعربية التي دخلت إلى عفرين على مدار السنوات السبع الماضية.

ثورة المرأة وذهنية الاغتصاب

لكن هذه المساواة التي ربما لا تتواجد في معظم الدول التي تدعي الديمقراطية ومن بينها دولة الاحتلال التركي التي أقرت تبرئة جناة جريمة اغتصاب الأطفال القاصرات، لم ترق لها ، لذا حشدت دولة الاحتلال التركي لعدوانها على عفرين من كافة الجوانب الإعلامية والسياسية والعسكرية، ومع بداية العدوان كان من الواضح أن مرتزقة الاحتلال التركي لن يراعوا حقوق الإنسان والتفريق بين الطفل والرجل والمرأة، وأول الأمثلة على الانحطاط الأخلاقي وحقدهم على شعوب عفرين، هي جريمة الاعتداء بالضرب والتمثيل بجثة مقاتلة في وحدات حماية المرأة، في مطلع شهر شباط المنصرم، ولم تكن هذه الحادثة الممنهجة أولى الجرائم وآخرها ضد نساء عفرين اللواتي عرفن التنظيم والدفاع عن الأرض والوطن.

ويبدو أن المرأة السورية في عفرين لم تنج من آثار الحرب العبثية الدائرة في المنطقة منذ ما يزيد عن سبع سنوات عانت خلالها النساء في جميع المناطق السورية، فخلال العدوان التركي على مقاطعة عفرين التي قاومت على مدار 58 يوماً، تم توثيق استشهاد 56 امرأة و46 طفلاً، إضافة لجرح 104 أخريات ممن تعرضن لإصابات مختلفة.

أكثر من 119 امرأة مختطفة

وبعد الاحتلال التركي لمقاطعة عفرين، بات الوضع أسوأ، فقد أدت الحرب في عفرين إلى أضرار مباشرة وغير مباشرة في وضع المرأة، حيث تم استخدام العنف المباشر والمتمثل بالقتل والاغتصاب والإتجار بالنساء والإعاقة والاختطاف حيث بلغ عدد النساء المختطفات في عفرين (119) امرأة في آخر إحصائية أجريت وهذا العدد يزداد يوماً بعد يوم، والعنف غير المباشر المتمثل بالترمل والفقر والبطالة وانخفاض المستوى التعليمي والنزوح وزواج القاصرات عنوة، وفرض اللباس الغريب عن ثقافة أهالي عفرين.

عفرين باتت سجناً كبيراً للنساء

في عفرين تغيرت الأحوال والأشكال، وباتت شوارع المدينة تشهد نوعاً آخر من الأزياء النسائية المتمثلة بلباس المستوطنين الذي حل محل اللباس الكردي الفلكلوري بألوانه الزاهية، وانتشرت في الساحات والشوارع لوحات إعلانية تحض على فرض الحجاب وتعرض نساء عفرين للمضايقات، وفي المدراس أيضاً تم اتباع النهج ذاته من قبل المدرسين المستوطنين ضد الشابات الكرد.

وفي بعض القرى التي تسيطر عليها بعض الفصائل الإسلامية الراديكالية المرتبطة بالنصرة وداعش، فرضت تلك الفصائل على الأهالي الالتزام باللباس الشرعي وعدم الخروج باللباس الكردي، وبهذا باتت مقاطعة عفرين سجناً كبيراً للنساء، وفي بعض المناطق لا تتجرأ النساء على الخروج من المنازل.

زواج القُصر عنوة وإهانة العجز

يوماً بعد يوم تزداد انتهاكات الاحتلال التركي ومرتزقته بحق سكان عفرين، حتى بات العقل المتحجر والجاهلي للمرتزقة هو الغالب، ولعل قصة الطفلة ياسمين البالغة من العمر 12 عاماً، هي واحدة من مئات القصص والمآسي التي عاناها أهالي عفرين وبقيت طي الكتمان، ياسمين الفتاة التي أجبرت على الزواج من مرتزق يكبرها بعقدين من الزمن، ورغم رفض الأهل تزويجها عنوة، إلا أن المرتزقة أخذوها من بيت ذويها الواقع في ناحية شيه بعد تهديدهم بالقتل إن رفضوا.

والشابة أليشان عبدو خطفت من على حاجز ترنده في عفرين تحت ذريعة تعاملها مع حزب يكيتي جناح محي الدين شيخ ألي، وهذا يفسر أن الاحتلال التركي لا يستهدف حزباً معيناً أو وحدات حماية الشعب فقط بل يستهدف الشعب الكردي برمته.

نساء عفرين… “طفح كيلنا”

ما حدث ويحدث للنساء في عفرين، لم يرق لنساء عفرين، وهنا تقول الشابة “ر-ح” القاطنة في مدينة عفرين “طفح كيلنا واختنقنا من تصرفات المرتزقة الذين يمنعون الزي الكردي، ويفرضون الحجاب علينا، هنا يجب علينا أن نقرر نحن نساء عفرين الخروج وتحدي الذهنية الظلامية للاحتلال التركي”.

وفي لوحة من التضامن بين نساء عفرين القاطنات في الداخل والنازحات في الشهباء، قالت فاطمة خليل “الجيش التركي المحتل يقوم يومياً بخطف وقتل العشرات من المدنيين، أفعال الجيش التركي نابعة من الذهنية القذرة التي اكتسبوها من رئيسهم أردوغان، لذا يجب على الدول التي تدعي أنها تحمي حقوق الإنسان وضع حد لهذه الانتهاكات”، وبدورها شجبت المواطنة فريدة حمو ممارسات وانتهاكات جيش الاحتلال التركي بحق النساء في عفرين، وطالبت النساء بالانتفاض في وجه الاحتلال التركي.

“منْ لا يقبل بطبيعتنا فليخرج من عفرين”

المرأة في عفرين والتي عرفت طعم الحرية قبل الاحتلال، لم تبقَ صامتة في ظل الاحتلال أيضاً، فالعديد من النساء تعرضن للضرب والإهانة نتيجة وقوفهن في وجه مرتزقة الاحتلال التركي ومحاولة منعهم من اعتقال أولادهن وسرقة ممتلكاتهن، ومنهن “س-م” وهي واحدة من اللواتي انتفضن في وجه الاحتلال ومنعت المرتزقة من اختطاف ولدها بتهمة الالتحاق بقوات الدفاع الذاتي، وتسكن هذه الأم في إحدى قرى شيراوا وعرفت بين أهالي القرية بقوتها وتوجيهها أهالي القرية لأن يكونوا يداً واحدة في وجه الاحتلال.

وهناك أمثلة حية أخرى على نضال النساء في عفرين في ظل الاحتلال، ولعل أبرزها المظاهرات النسائية التي خرجت في جندريسه قبل شهر نتيجة اعتقال المرتزقة الرجال في الحارة التحتانية، إذ انتفضت النساء على مدار يومين متتاليين في وجه الاحتلال ومرتزقته دون خوف أو تردد.

وتقول مواطنة تقطن في عفرين المحتلة “نحن نساء عفرين يجب أن نكون على طبيعتنا، لذا نحاول اليوم تنظيم صفوفنا في داخل عفرين بهدف رفض القرارات المفروضة علينا، وأن نخرج للشوارع على طبيعتنا”، وتتابع بكل جرأة “منْ لا يقبل بطبيعتنا فليخرج من عفرين”، في إشارة إلى المستوطنين والاحتلال.

هذا وانتشرت في عفرين لوحات دعائية متعددة تحض على ارتداء الحجاب، وعدم الخروج باللباس العادي والمعاصر للشوارع، وهنا اكتست عفرين بالسواد نتيجة تجوال النساء المستوطنات اللواتي ترتدين النقاب والجلباب، ولكن في إحدى الليالي تعرضت بعض من هذه اللوحات الدعائية التي وصفها مراقبون بالمتشددة للكسر والتدمير، وهو دليل واضح على رفض أهالي عفرين الأصليين لمثل هذه الممارسات الدخيلة.

فعاليات دعماً لمقاومة العصر

ودعماً للسلام والحرية وتحرير عفرين، نظمت نساء عفرين النازحات في مقاطعة الشهباء، سلسلة فعالية لاستنكار الاحتلال ودعم النساء المناضلات داخل عفرين، حيث عبرت النساء عن فخرهن بنضالهن المستمر في وجه الاحتلال والذهنية الإقصائية ضد المرأة، وأكدن على مضيهن في طريق المقاومة وعلى خطأ الشهداء بهدف تحرير عفرين من الاحتلال.