Tev-Dem

نساءٌ يكتبن تاريخاً جديداً

419
فوزة اليوسف –
في ١٦- ١٧ آب عقد ستار أو عشتار مؤتمرَه السابع، وضمَّ ٧٠٠ امرأة حضرن من كلّ مناطق شمال شرق سوريا ونساءً تحرّرْن من داعش منذ فترة وجيزة.
كلُّ امرأة حضرت كانت تمثلُ المنطقةَ التي قدُمت منها، ما يعني أنّ خلف ٧٠٠ امرأة من اللائي حضرن المؤتمر هناك جيش من النساء، جيش سياسيّ، جيش عسكريّ، وحدات حماية المرأة والأسايش، جيشُ من النساء اللواتي أخذن أماكنهن في المجالس الممتدة على طول جغرافيا شمال سوريا، ذلك لأنّ نسبة مشاركة النساء في تلك المجالس هي ٥٠% و الرئاسة فيها مشتركة.
كان هناك طرحٌ سابقٌ داخل الحركات التحرّريّة أو الحركات اليساريّة مفاده أنّه يمكن أن تتحقّق حرية المرأة بعد إنجاز الثورة التحرّرية، وكان اليساريون يقولون: إنّ المرأة ستتحرّر بمجرّد تحقّقِ الاشتراكيّة، غير أنّ ذلك الطرحَ لم يكن سوى أحد الحيل الذكوريّة أو أمراً نابعاً من الذهنيّة الجنسويّة. فالبلادُ كانت تتحرّر ولكن المرأة بقيت مواطناً من الدرجة الثالثة وأحياناً الرابعة. وزعمت بعضُ الأنظمة أنّها أنجزت الاشتراكية، ولكن المرأة فيها لم تتحرَّر. وأثبتتِ التجربةُ أنّ ثمّة فترات تُسمّى بفترات التغيير والتي يمكن تسميتها أيضاً بلحظاتِ الخلق، حين تعمُّ الفوضى والأزمات في صلب النظام، وهذه الفترات هي التي يمكن من خلالها إحداث التغيير المرجو، وإن لم يتم استغلال الفرصة في تلك الفترات أو اللحظات فإنّها تمضي و قد لا تأتي إلا بعد فترة طويلة.
لحظة الخلق تلك هي بالأصل حالة الثورة المنشودة، وكان لزاماً على النساء في شمال سوريا عدم تأجيل إحداث تلك التغييرات في وضع المرأة وكذلك في وضع الرجل، والتجربة أثبتت أنّ ما تمّ كان استراتيجية صحيحة ذلك أنّه لو تُرك الأمر لما بعد بناء نظام اجتماعيّ لن يكون لتلك التغييرات مكان فيه، وسيكون من الصعوبة بمكان إنجاز التغيير المرجو فيه.
من هنا فإنّ قيام المناطق الكرديّة أولاً وبعدها المناطق ذات الأغلبيّة العربيّة بالتقدُّم خطوات مهمة في مرحلة التغيير لصالح المرأة كان أمراً في غاية الأهميّة. فترسيخ نسبة ٥٠% من النساء على مستوى المجالس وكذلك نظام الرئاسة المشتركة فيها وأيضاً سنُّ قانون المرأة الذي يضم من ضمن ما يضم قانون منع تعدد الزوجات و منع زواج القاصرات وكذلك تشكيل دُور المرأة في كل مكان للدفاع عن حقوق المرأة وحل المشاكل الاجتماعيّة المرتبطة بذلك تعتبر نهضة عظيمة في جغرافيتنا.
والحال إنّ إيراد ما سبق لا يعني أنّه تمّ حلُّ كلِّ قضايا المرأة ولا يعني أنّ الرجل قد تمّت دمقرطته بالكامل، ولكن يمكن القول وبسهولة إنّ الكثير من الصور النمطيّة السائدة سابقاً قد تحطمت.
فحال الرئاسة المشتركة باتت حالة اعتياديّة بعدما كانت محطَّ استغراب وأحياناً استنكار في بدايتها، إذ كيف يمكن لشخصين أن يكونا رئيسين لمؤسسة واحدة وكلاهما بنفس الصلاحيات! إلا أنّ التجربة أثبتت أنّ هذه الحالة الندّيّة لها تأثيرٌ كبيرٌ على عدّة مستويات، منها: أولاً أنّها تمنع حالة التفرد بالقرار، وثانياً تحطيم تلك الصورة النمطيّة حول أنّ الرجل وحده يمكن أن يرأس، وثالثاً ترسيخ آلية العمل المشترك بين الرجل والمرأة، ورابعاً خلق حالة من التوازن الاجتماعيّ وغيرها من الأمور الأخرى.
يُطرح السؤال أحيانا ما سرُّ تمكّنِ شمال سوريا من مجابهة كلِّ المخاطر التي تعرض لها ! أرى أنّ السرّ! يكمن في مشاركة المرأة هنا على كل الصعد ، في الدفاع و الحياة السياسيّة والحياة الاجتماعيّة وكذلك الاقتصاديّة والتعليمية. أي أنّ ٥٠% أو اكثر من حالة الضمور التي كانت موجودة في مجتمعنا قد تم تجاوزها و هذا يعني فعّاليةً أكبر وإنتاجاً أكبر. وعلى النقيض من ذلك، لو لم تكن هناك مشاركة من النساء بهذا الرخم فإنّ مجتمعنا سيكون مثل طائر بجناح واحد، يستحيل عليه الطيران. وإذا كان مجتمعنا قد تجاوز وتغلب على الكثير من الصعاب وطار ولم يقع ، فإنّ السبب يعود لما ورد أعلاه .
أعرف أنّه ما زال أمامنا عملٌ كثيرٌ، إذ ليس من السهل حلُّ قضيةٍ عمرُها ٥٠٠٠ سنة بهذا السرعة والسهولة، ولكن ظهور وردة واحدة أحيانا تبشّر بالربيع.

عن صحيفة ” روناهي “