Tev-Dem

د. سالم الحميد: الملفات السوداء لتركيا تتضخم

449

أشار الدكتور سالم الحميد إلى أنه بعد تزايد الإجماع الدولي الذي يحذر من تمادي النظام التركي وعلاقته بالتطرف، يجب على من يقدسون أردوغان أن يعيدوا النظر في مراهنتهم، لأنهم يراهنون على الحصان الخاسر.

قال الدكتور سليم الحميد في مقال له نشرته صحيفة العرب “انتهت الفقاعة التركية التي يستند إليها بعض المطبّلين لحكم الإسلام السياسي، الذي يتلوّنُ حسب مصالحه، ولا يتردد للحظة في استغلال العرب واختراق أمنهم، وتوظيف التيار الإخواني المتطرف وتمويل الخونة وإتاحة المنابر الإعلامية لهم للنيل من أوطانهم. هذه الحقائق تمثل بداية العد العكسي لتراجع شعبية رجب طيب أردوغان وجماعته. بل إن التراجع بدأ منذ فترة طويلة، وبالتحديد منذ أن أدمن أردوغان لعبة القبض على المعارضين وملء سجون تركيا بمن يرفضون سياسته، وكلما زاد التوجس لديه من قرب انتهاء حكمه ارتكب حماقات جديدة داخل وخارج تركيا”.

وأضاف الحميد “لذلك كلما استمر حكم أردوغان وجماعته تزداد فرص انهيار مشروعهم وافتضاحه، في دلالة على أن ذلك المشروع البائس قام بالارتكاز على تصورات ركيكة مشابهة لمشروع الترابي في السودان، الذي ظل يستهلك شعارات ميتافيزيقية عاطفية أنتجت، حتى الآن، الفقر والانفصال والحروب الداخلية المتفرقة ومشاريع الانقلابات المتكررة. وعندما تصل أي سلطة إلى مرحلة المواجهة المستمرة مع الانقلابات المتوقعة أو المنتظرة، فإنها تكون ممتلئة بالخطايا والأوهام وصناعة الشعبية الزائفة”.

ويوضح “بعيداً عن الماضي الاستعماري السيء للدولة العثمانية التي اجتاحت المنطقة العربية باحتلالها المتخلف، فقد قامت تركيا أثناء عهد أردوغان أيضاً بصياغة علاقتها بالعرب بالتركيز على عدة محاور، أولها محو الذاكرة العربية تجاه جرائم الاحتلال العثماني الذي كان يتصف بالغباء والجهل والهمجية.

لأن بقاء الذاكرة العربية مستيقظة وفي حالة إدراك لما ارتكبه العثمانيون باسم الخلافة لن يكون في صالح تركيا الجديدة، التي تريد إحياء خلافة إخوانية تخلط بين الولاء للماضي العثماني والحاضر الإخواني الذي يستأثر به أردوغان، وهو أكثر الحكام الأتراك انتفاخا وشعورا بالعظمة الزائفة.

لدرجة أنه قام بإقصاء كل الشخصيات المؤثرة في حزبه ممن يَتوقع أن لديهم شعبية أو أفكارا نقدية لسلوكه المتعجرف. ومن أسس النظام القائم في تركيا حاليا تقديس شخصية أردوغان واعتباره من الثوابت، ويسري تقديس أردوغان كذلك على العملاء الذين تأويهم تركيا في فنادقها وتدفع قطر فواتيرهم. حيث من الواضح من خلال تصريحاتهم أن تقديس أردوغان مفروض عليهم. وبذلك أصبح جزاء خيانتهم لأوطانهم مضاعفا، فإلى جانب العمالة والخيانة يتظاهرون رغما عنهم بحبهم للسلطان التركي الحالم باستعادة زمن السلاطين البائد.

في إطار المخاوف الدولية من تصرفات تركيا وسياستها الداعمة للتطرف وأدوات الإرهاب، أظهر تقرير إعلامي مخاوف دول غربية من مرحلة ما بعد تمتع أردوغان بصلاحيات واسعة

ويؤكد الحميد “أن استراتيجية تركيا تجاه العرب منذ صعود المتأسلمين، قامت أيضاً على استغلال نقاط الضعف والأزمات لاختراق الأمن القومي العربي بأكثر الوسائل همجية وأنانية، بما فيها توظيف واستخدام الإرهابيين الدوليين الذين التحقوا بداعش. حيث لعبت تركيا دورا محوريا في تسريب آلاف المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق. ولم يكن هدف تركيا الوقوف إلى جانب الشعب السوري كما تدّعي، بدليل أن علاقاتها مع النظام السوري إلى ما قبل انفجار الساحة السورية في وجه النظام بفترة وجيزة كانت في أحسن حالاتها، بل إن التنسيق الاقتصادي التركي السوري وصل إلى أفضل مستوياته قبل أحداث الفوضى في سوريا، بما في ذلك تفاهمات تركية سورية بشأن إعادة تأهيل السكة الحديدية لإطلاق رحلات القطار بين حلب وتركيا.

بعد ذلك استغلت تركيا الحرب السورية والفوضى الشاملة ونهبت كل معامل ومصانع حلب الصغيرة والكبيرة، وقامت بتصدير الإرهابيين إلى المناطق السورية. ثم عملت على تأمين حدودها، وسمحت أمام الكاميرات فقط بدخول مجموعات من اللاجئين السوريين الذين فرّ معظمهم عبر رحلات بحرية خطيرة من تركيا إلى أوروبا، بينما لم يتم تصوير مشاهد كثيرة تفضح أساليب تعامل السلطات التركية البشعة مع من يرغبون في دخول تركيا، هرباً من جحيم الحرب، التي أسهمت أنقرة نفسها في إطالة أمدها، عبر تزويدها لمناطق الصراع بالسلاح والمال والعناصر المتطرفة القادمة عبر تركيا وموانئها ومطاراتها وحدودها. ولن ينسى من يتابعون ملف الإجرام التركي في سوريا حجم الدعم التركي المقدم للإرهابيين، بما في ذلك استضافة أجنحتهم السياسة وإيواء الناطقين الإعلاميين والمبررين لجرائم داعش والقاعدة في الأراضي السورية.

أحدث عملية استغلال تركي لاختراق الأمن القومي للمنطقة العربية، تتمثل في قيام تركيا باستثمار الأزمة مع قطر، وعرض خدماتها غير المجانية على الدوحة، إلى أن وصل الحال إلى إرسال قوات تركية إلى قطر. فوقعت الدوحة في الشرك التركي الذي لجأ إلى الانتهازية المطلقة، وهذا ما تجيده تركيا التي توجه للعرب خطاباً عاطفياً في الظاهر، بينما تريد أن تستعيد مجدها الاستعماري القديم الذي تم القضاء عليه،منذ أن تم طرد الدولة العثمانية غير مأسوف عليها من الأراضي العربية، وهي التي كان احتلالها الأكثر تخلفاً وهمجية على مر التاريخ.

ويكمل الدكتور سالم الحميد حديثه “الجديد في انهيارات النظام التركي بدأ مع تفكك الجبهة الداخلية التركية، وسببه أكاذيب أردوغان وطموحاته التي تجاوزت مشروع الإسلام السياسي التركي إلى بناء مشروع سلطاني، خلاصته صناعة دكتاتور متسلّط مستعد لخداع الجميع من أجل الاستمرار في السلطة، ويتم تبرير ذلك التسلط بانتخابات متكررة، لكن نتائجها كما حدث في الانتخابات الأخيرة تحولت إلى إنذار صريح لأردوغان بأنه تمادى في الذاتية والنرجسية. لذلك ظهرت النتائج ضعيفة جدا ولم يعد هناك أي مجال للحديث عن شعبية أو اكتساح. فهذه المفردات انتهت بعد أن اختبر الأتراك أردوغان ووصلوا معه إلى طريق مسدود.

الدليل على أن بريق التجربة التركية انطفأ وأصبح الظلام يخيم عليها، أن الأوروبيين لا يهتمون بكذبة الانتخابات التركية، لأن الليبرالية والديمقراطية والانفتاح والعلمانية تعتبر حزمة متكاملة، بينما لم يعد نظام أردوغان يلبي أي نسبة معقولة تعكس التكامل المطلوب بين تلك العناصر المذكورة، أما الانتخابات وحدها فإنها لا تقنع الأوروبيين، لأنها مسألة شكلية ويتم استغلالها في النهاية من قبل أردوغان كل مرة، بهدف تمرير قرارات وإجراءات تقضي بشكل تدريجي على علمانية تركيا وتخطط لنسفها بشكل جذري.

حتى السائح العربي البسيط يعلم جيدا من خلال شكاوى متكررة عن العنف والانفلات الأمني في شوارع تركيا أنها لم تعد بلدا آمنا، ولم تعد جاذبة سياحيا. وأجمعت التحليلات التي عالجت هذه النقطة على أن سبب الانفلات والفوضى الأمنية في تركيا يعود إلى أن السلطات تركز على الأمن السياسي وعلى حماية النظام، بينما تهمل أمن المجتمع وحمايته من المجرمين واللصوص.

ويختتم الدكتور الحميد مقالته “الملفات السوداء لتركيا تتضخم، وكل فترة تظهر تحليلات وأخبار ومواقف دولية ضد سلوك النظام التركي، الذي فقد القدرة على إخفاء دوره في حماية الروافد البشرية لإرهاب تنظيم داعش. أحدث المؤشرات ظهرت في تصريح لوزيرة الخارجية الأسترالية جولي بيشوب، حيث قالت إن محكمة تركية رفضت طلبا بترحيل رجل أسترالي يعتقد أنه من أبرز المسؤولين عن تجنيد مقاتلين لتنظيم داعش الإرهابي، في انتكاسة لجهود كانت تسعى إلى محاكمة المتهم في أستراليا. والغريب حسب أخبار صحافية أن القضاء التركي أمر في البداية بإطلاق سراح الداعشي الذي تطالب أستراليا بترحيله.

وفي إطار المخاوف الدولية من تصرفات تركيا وسياستها الداعمة للتطرف وأدوات الإرهاب، أظهر تقرير إعلامي مخاوف دول غربية من مرحلة ما بعد تمتع أردوغان بصلاحيات واسعة، وتقوم المخاوف على القلق من توظيف النظام التركي للمساجد في أوساط الجاليات التركية في المهجر للحشد السياسي والتجسس “المخيف” على المعارضين.

لذلك لم يكن مرحباً بأردوغان من قبل الحكومات الغربية عندما كان يتجول في أوساط الجاليات التركية المهاجرة. وبعد تزايد الإجماع الدولي الذي يحذر من تمادي النظام التركي وعلاقته بالتطرف، يجب على من يقدسون أردوغان أن يعيدوا النظر في مراهنتهم، لأنهم يراهنون على الحصان الخاسر.