تم ترك عفرين لتركيا نتيجة تفاهمات دولية، وقبلها احتلت تركيا بلدات أخرى من الجغرافيا السورية، يدعي الروس بأنهم سيطلبون من تركيا تسليم هذه المناطق للنظام في الوقت المناسب وعندما ينتهي دورهم، في الحقيقة إن تاريخ تركيا مليء بالأمثلة التي تثبت أنها تدخلت بشؤون دول جارة ومن ثم أبت أن تخرج منها وهي تحتلها إلى اليوم الراهن ومثالها قبرص ولواء إسكندرون، وها هي تكرر ذات التجربة في عفرين والمناطق السورية الأخرى. ولا بد أن نقول الحقيقة ألا وهي، لولا موافقة الدول ذات التأثير في سوريا، لما تجرأت تركيا على خطو هكذا خطوة. لذا تلك الدول تتحمل مسؤولية ما تتعرض له عفرين اليوم من عمليات نهب وسلب للإرادة، واللعب بكرامة شعبنا هناك.

عفرين تلك الرقعة الصغيرة من الأراضي السورية، المنطقة ذات الهوية الكوردية منذ عشرات آلاف السنين التي لم تعادي أي طرف لا قبل الأحداث ولا بعدها، ومنذ  بداية الأزمة السورية لم تدخل المعارك الانتقامية كما حدث في المناطق السورية الأخرى، وان دخلت في معركة فكان ذلك بهدف الدفاع عن الذات، ومثالها معارك قسطل جندو عام ٢٠١٣ وبعدها حملة الهجوم التي أتت على عفرين من عين دقنة. طيلة ستة أعوام عاشت عفرين تحت ظروف الحصار المشدد، وتركيا التي تسببت بخلق المشاكل على الحدود بشكل مستمر، فقتلت العشرات من الشباب والنساء والمسنين بهدف الانتقام، كما جرفت مساحات واسعة من الأراضي على الحدود لهدف الإضرار بالأهالي. لم تكتفي بذلك إنما بنت جدار العار على طول الحدود، وزرعت الألغام، حفرت الخنادق، أنارت الحدود بالكامل بهدف تطويق عفرين وتطبيق الحصار عليها من كل النواحي، وجيشت الفصائل المسلحة من طرف أعزاز وحرضتهم على مقاتلة الشعب الكوردي المسالم، وزرعت في نفسهم الحقد والضغينة بهدف خلق صراع عربي- كوردي. بالرغم من ذلك بقيت عفرين تلك المدينة المسالمة التي فتحت ذراعيها لاحتواء أكثر من ١٥٠ ألف نازح من المناطق السورية الأخرى، ولم تنظر لهم بعين النزوح.

الحضور الكريم:

اليوم وفي معمعة الحرب الحقيرة الدائرة على الأراضي السورية، التي تؤثر في الحي والميت الموجود على هذه الأرض، فمن بقي حياً من معارك عفرين، أصبح مشرداً مهجراً يعيش لحظات الموت كل لحظة ويقاوم ضده، ومن بقي في عفرين، فهو يعيش غريباً على أرضه وقريباً من منزله، لكنه ممنوع من الإقامة في منزله الأصلي، يتعرض للإهانة، للخطف، للقتل، للاغتصاب، لاعتناق التكفير بالإجبار، يومياً يفقد عفرينيون لحياتهم نتيجة أزمات قلبية يتعرضون لها من هول الكارثة، عدا عن الوضع المأساوي الذي يعانون منه في مخيمات الهجرة والنزوح. حتى الضحايا ممنوع عليهم أن يدفنوا في الأماكن المخصصة بكل احترام، لا تزال جثثهم متروكة في الأراضي تعبث بها الحيوانات، فكل ذلك منافي لمبادئ وقوانين حقوق الإنسان، العالمية. كل الممارسات التي تقوم بها الدولة التركية مع فصائلها التكفيرية بحق أهالينا في عفرين، هي سياسات الإبادة العرقية بحق الشعب الكردي والمعتقد الإيزيدي والكرد العلوية، واستهداف المعالم الأثرية بهدف طمس هوية وتاريخ المنطقة بالكامل، واستخدام الأسلحة المحرمة. كل ذلك هي محاولات لخنق النضالات التي قام بها شعبنا للحفاظ على السلم وتحقيق الديمقراطية، والنيل من الإرادة الحرة التي حققتها المرأة خلال أعوام من النضال في مواجهة الظلم والاستعباد، فعمليات خطف النساء والاعتداء عليهن، واجبار الأهالي على تزويج بناتهم القاصرات من المرتزقة، هي جرائم بحد ذاتها.

نعم المقاومة التي أبداها شعبنا بكل مكوناته في عفرين، جنباً إلى جنب مع وحدات حماية الشعب، كانت مقاومة عظيمة، لكن ما كان متفق عليه دولياً كان عبارة عن تآمر دولي مرة أخرى، والمؤامرة كانت أكبر من عفرين، الجميع كانوا يريدون إرضاء أردوغان وكسبه ضمن حلفه لحماية مصالحه. التنازلات الكبيرة أتت من طرف تركيا لروسيا، بالمقابل قدم الروس عفرين لتركيا لأنهم لم يمتلكونها في يوم من الأيام، ولم يكن لهم وصاية عليها.

إن تحرير عفرين مرة أخرى لا بد أن يكون لها طرق وسبل متنوعة، منها والمهمة الطرق السياسية والقانونية، أهمها الجانب القانوني الذي سيترصد كل الانتهاكات التي حدثت وتحدث في عفرين، ويتابع عملية التدخل الاحتلال التركي ورفعه للمحاكم الدولية. المسؤولين الاتراك ومرتزقتهم من الائتلاف السوري، وفصائلهم التكفيرية. لكن نحن نقول بقدر ما كانت المؤامرة كبيرة لن تكون أكبر من إرادتنا وعزمنا وإيماننا برجوع الحق لأصحابه.

ونحن نجتمع اليوم في هذه القاعة لنثبت أننا قادرون على إثبات الحق وتقديم المجرمين للمحاكم الدولية.

 بهذا أوجه النداء لكل من:

-كل الحقوقيين السوريين بالخارج أن يقفوا صفاً واحداً لمواجهة هذه الاعتداءات والجرائم وأن يكونوا في حالة الاستنفار إلى أن نصل للهدف ألا وهو تحرير عفرين والمناطق الأخرى، ومعاقبة المسؤولين عن الجرائم.

-كل السوريين في الخارج التضامن والعمل معاً لمواجهة الاحتلال.

-المنظمات الحقوقية الدولية أن تعطي أذن صاغية للانتهاكات الصارخة التي تحدث في عفرين وتسعى لتطبيق القوانين الدولية لحقوق الإنسان.

-الأمم المتحدة أن لا تكون طرفاً في هذه الحرب والانتهاكات بصمتها وتعاميها عما يجري من عملية تغيير ديمغرافي في عفرين.

– لكل العوائل السوريين الذين يتم نقلهم إلى عفرين أن لا يصبحوا آلة لقتال عربي- كردي لصالح الاحتلال التركي وأن يرفضوا توطينهم في منطقة تشهد تصعيداً مستمراً”.