Tev-Dem

بدايات تشابه الحالة الروسية الراهنة مع حقبة الانهيار السوفياتي

386

شيئاً فشيئاً تظهر السياسة الروسية وتؤكد فشلها في التعامل مع الملفات الإقليمية في الشرق الأوسط، حيث تتوضح معالم التوسع الروسي في المنطقة على حساب الشعوب من جهة ومن جهة أخرى هناك تصميم روسي على عدم التحرر من الأخطاء التي اقترفها الاتحاد السوفياتي سابقاً وهذا ما يثير الأمور بشكل مؤثر.
في سوريا التدخل الروسي المُعلن على أنه تدخل إنقاذ لا يمكن تسميته إلا بزوبعة في فنجان، نتائج السياسية الروسية في سوريا أفرزت معها جملة متغيرات في المنطقة والعالم بعد أن تحول الوضع في سوريا إلى حرب عالمية ثالثة، حيث كانت هذه الحرب كفيلة بإعادة الاصطفافات؛ الأمر الذي يعود إلى جملة المتغيرات التي طالما تحدثنا عنها بأنها تجتاح المنطقة وأن المتغيرات المذكورة ستكون شاملة بما فيها إعادة تنظيم العالم العربي والأوروبي وعموم العالم وفق المرحلة التي نمر بها.
التعامل الروسي مع تركيا بعد عدة مواقف متناقضة فيما بينهم خطوة تكتيكية كانت خاصة في ظل عدم قدرة تركيا على عقد أية تفاهمات استراتيجية – هذا أحد ميزات تاريخها وسياستها- أما اللقاء الروسي مع تركيا، فكان لا يخلو من التوجه التركي نفسه، حيث حولت تركيا إلى عصا لتهديد القوى والدول الموجودة في سوريا من ناحية ومن ناحية أخرى الاستفادة من تركيا في إحداث خلافات داخل حلف الناتو عبر منظومات الأسلحة المراد بيعها لتركيا وكذلك تعويض خسارة روسيا لعلاقاتها مع أوكرانيا- الدولة المغذية عبر أوروبا للغاز إلى روسيا- بتركيا؛ كون الغاز منتوج أساسي لروسيا، هذه التوجهات مع دور روسيا في التعامل مع الملف السوري والليبي واليمني ومن ثم ما تم إحداثه في شبه جزيرة القرم والمواجهة الروسية مع الحكومة هناك يُضاف إلى ذلك التفاهمات الإيرانية ـ التركية – الروسية حول موضوع الآستانة وخلافاتهم على الأرض من أجل النفوذ وتعطيل هذا الثلاثي لسلسلة المحادثات الدولية حول سوريا من قُبيل فيينا وجنيف بمراحله المتتالية؛ كل هذا ساهم في عزلة روسيا عالمياً؛ الأمر الذي بدأ فعلياً في طرد السفراء الروس من قبل ما يزيد عن عشرين دولة في شهر آذار من العام الجاري، لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم توجيه ضربة ثلاثية من قبل كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا على مواقع المخزون الكيميائي في شهر نيسان من العام الجاري وكذلك التقاء محور الدول الثلاث المذكورة حول ردع الدور الروسي في سوريا والمنطقة، حيث النظام السوري مسلوب الإرادة من قبل روسيا والضربة كانت موجهة إلى روسيا بشكل مباشر، أفرزت الضربة الثلاثية التي كانت متممة لتوجهات الدول في العالم لطرد الدبلوماسيين الروس؛ نتج عنها تحولات من أهمها إعادة تركيا لحساباتها في المنطقة وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالتفاهمات مع روسيا بعد فشل الأخيرة في احتواء الموقف من جهة وإمكانية الردع من جهة أخرى بمعنى كانت الضربة برهاناً على مدى الفرق بين المنظومة الروسية وترسانتها الجوية وبين ما تم استخدامه في الضربة (الثلاثية) خاصة في ظل الطرح الروسي بتزويد تركيا بالمنظومات نفسها- التي لم تفعل شيئاً – كذلك أدت الضربة إلى ضعف روسي في مسار الاستفادة من الخلافات والشرخ بين بعض دول العالم وأمريكا وعلى وجه التحديد كوريا الشمالية التي كانت على وشك القيام بحرب ضروسة مهددة لعموم العالم، حيث أدركت كوريا أن التعويل على روسيا خطأ وأن الحصار قد زاد من صعوبة الوضع الداخلي وأن أمريكا لن تتوان عن دعم كوريا الجنوبية واليابان. لذا؛ كان من الأفضل إجراء السلام مع كوريا الجنوبية الأمر الذي لحق ضرراً كبيراً بروسيا ومصالحها هناك، هذه الأمور أثرت بدورها على التفاهم الثلاثي الإيراني- الروسي ـ التركي كذلك في موضع الآستانة وتضررت منه إيران حليفة روسيا في ذلك الاتفاق.
بالمجمل يمكن القول: إن روسيا تعيش بداية تخبطاً تاريخياً في المنطقة والعالم والأمور تشير إلى ما كانت تعيشه في فترة قُبيل انهيار الاتحاد السوفياتي، ربما لن تكون الأمور بحكم المتغيرات متشابهة. لكنها؛ بطبيعة الحال تشير إلى حال تحول تجعل روسيا أمام خيارات إعادة النظر في الكثير من المواقف والدلالات.

آلدار خليل
المصدر : جريدة روناهي