ونص البيان كاملاً ما يلي:

“استبسلت مقاومة العصر في وجه بربرية الجيش التركي الفاشي وحلفائه الجهاديين المرتزقة، طوال ثمانية وخمسين يوماً، وسطّرت ملاحم تاريخية في الشجاعة والفداء. إن تجربة المقاومة المستمرة في وجه قوة الاحتلال وآلته المدمرة منحتنا وماتزال درساً عميقاً في تحدّي الطغيان والقوى الغاشمة سيُلهم الأجيال القادمة لأمد طويل.

وبالمثل أبدى شعبنا المتفان في مقاطعة عفرين أروع الأمثلة وأبهاها في الصمود التاريخي، واستطاع أن يثبت للعالم جميعاً أنه من المحال هزيمته أو كسرّ إرادته أو اقتلاعه من جذوره. وكان هذا الصمود هو الردّ الأقوى والأبلغ على مخططات راع الإرهاب والإرهابيين في أنقرة، بمحو هويته أو وجوده.

إن استمرار الهجمة البربرية وازدياد حدّتها طوال تلك الفترة، عبر لجوء جيش الفاشي الإسلامي أردوغان إلى استخدام أحدث تقنيات الدمار وأشدّها فتكاً، في ظلّ صمت دولي، مريب ومخزي، أدّى إلى تفاقم المحنة الإنسانية للمدنيين، وبخاصة بعد لجوء معظم سكان ريف المقاطعة، الفارين من غزو الجيش التركي، إلى مدينة عفرين. فقد أمعن الجيش الفاشي وحلفائه المرتزقة في الأسبوعين الأخيرين في تشديد الخناق على المدينة وعمد بصورة مباشرة إلى تخريب الخدمات الأساسية وقطع المياه والكهرباء وتدمير المراكز الصحية والمشافي بهدف إركاع السكان واستسلامهم. وكان للقصف الجوي والمدفعي المركز الدور الرئيس في ترويع مئات الآلاف من السكان والمدنيين ودفعهم للنزوح القسري، وقضاء أيام قاسية في العراء دون أيّ عون أو إغاثة من المنظمات الدولية، التي اكتفت بدور الشاهد على المأساة، وهذا ما أرادته قوى الاحتلال التركي في نهاية المطاف.

لقد كان التواطؤ الروسي مع جيش الاحتلال، وفي ظلّ الصمت المخزي لنظام دمشق الفاقد لقراره السيادي، والصمت غير المبرر للمجتمع الدولي السبب في مأساة شعبنا الأخيرة، ونحن إذ نحمل تلك الأطراف كل ما تعرّض له شعبنا ولايزال، نؤكد على إرادتنا التي لا تلين في استمرار المقاومة حتى النصر وهزيمة المحتل وحلفائه المرتزقة وتحرير تراب عفرين المعمد بأطهر التضحيات وأنبلها.

إن النصر ليس حدث نتاج برهة مؤقتة وعابرة، ولهذا نؤكد لشعبنا على ديمومة نصر المقاومة في عفرين حتى هذه اللحظة. فقد كان بوسع أبطال وبطلات قسد وYPJ وYPG الاستمرار في التصدي للعدوان داخل مدينة عفرين لأمد غير قصير، بيد أن مسؤوليتنا الأخلاقية، إزاء تفاقم المأساة الإنسانية للمدنيين، وضعتنا إزاء تحدّ حقيقي ومصيري، كان لابدّ معه من تغيير قواعد الصراع والمقاومة لمصلحة إنقاذ حياة شعبنا وأطفالنا وحماية المدينة من دمار محتّم على يد قوّة بربرية غاشمة لا تكترث بأية قيمة أخلاقية أو إنسانية.

كان قرار الانسحاب من المدينة قاسياً على أبطالنا وبطلاتنا الذين اعتادوا التصدّي للهمجية والإرهاب وآمنوا بأن المقاومة حياة، إلا أنه كان الأصوب لمصلحة شعبنا ولاستمرار المقاومة وتصعيدها في ذرى (چياي كورمينج) حتى تطهيرها من المرتزقة الغزاة. ومهما حاول الجهاز الإعلامي للعدو وحلفائه المرتزقة تصوير الأمر وتقديمه على أنه انتصار حاسم لهم وهزيمة لنا، فأننا نؤكد لشعبنا ونعاهده قبل الجميع بأننا منتصرون طالما أننا نقاوم ولا نرضخ، وعهدنا لشهدائنا أن الثأر قريب ولن نجعل العدو ينعم ببرهة واحدة من الأمان في أرضنا حتى التحرير _ والنصر العظيم.

نحن على يقين، كما هو يقين شعبنا، من أن العدو المتغطرس، إن قيّض له، لن يقف عند عفرين، وهو يعلنها صراحة وبكل صفاقة، إن بربريته ستمتد إلى جميع مناطق روج آفا وشمال سوريا، بل أوسع من ذلك إلى سنجار وكركوك، حتى يسحق وجود شعبنا في كلّ مكان. الرئيس التركي يبرهن بجلاء على أنه لا يستهدف منطقة بعينها أو حزب معين كما كان يزعم ويبرر به عدوانه، وهو لن يتخلّص من هذا الرهاب العنصري المقيت الذي يقبع في رأسه ورأس كل قوميّ تركي فاشي حتى توقظهم ضربات المقاومة المستمرة أو يسحق شعبنا ويباد كما يريد هو وحلفاؤه.

إننا إذ نحيي وفاء عموم شعبنا في أجزاء كردستان وفي المهجر، ولمساندتهم المتواصلة لعفرين ومقاومتها، ونحثّ الجميع على استمرار التضامن والمساندة للمقاومة وفاءاً لتضحيات شهدائنا وقرابيننا حتى تحقيق النصر.

إننا نضع المجتمع الدولي، بمنظماته وهيئاته، المدنية والسياسية، إزاء مسؤولياته الأخلاقية والسياسية، في ضمان عودة جميع النازحين بصورة عاجلة إلى بيوتهم آمنين وحماية أملاكهم وبيوتهم التي تعرضت خلال الايام المنصرمة لعمليات نهب شاملة ومنظمة تحت أنظار ورعاية الجيش التركي المحتل. ونحث الجميع على ضرورة تقديم الإغاثة العاجلة لأهلنا. ونحذر من المآرب السياسية الخبيثة للرئيس التركي الذي يريد تغيير الواقع الديمغرافي في عفرين وفرض هوية ثقافية مغايرة على المنطقة. ونعلن لشعبنا بأننا سنتصدى بكل قدراتنا لمثل هذه المخططات غير الشرعية وستبقى عفرين كما كانت دوماً عريقة بشعبها وبتاريخها العظيم وسيضاف على ذلك مقاومة اسطورية صنعت نصرٌ مؤزر لا مثيل له في التاريخ الحديث.

كما نحث مجلس الأمن الدولي على الضغط المباشر وإرغام الجيش التركي على الانصياع لقراراته وقوانين المجتمع الدولي وسحب قواته، ونعلن للجميع بأننا سنتعامل معها بصفتها قوة محتلة ولن كل الحقوق الإنسانية المشروعة في الدفاع عن وجودنا وتحرير أرضنا.

ولا نحتاج إلى أن نذكّر شعبنا الصامد، الذي برهن على التزامه العميق بقيمه الوطنية والقومية، بضرورة مقاطعة جميع المرتزقة وعملاء الاحتلال، الذين خرجوا من معطف الجندرمة التركي، ومقاومة جميع أشكال التنظيم الإداري الذين يحاول العدو من خلال هؤلاء الخونة فرضه على عفرين. إن التصدّي لدور هؤلاء الجحوش ومقاومتهم هو أمرٌ حتمي ومقدس في سبيل تحرير كامل تراب عفرين. ونحن نذكّر بوجه خاص مجلس المرتزقة، الذي أعلن عنه بتاريخ /٣/١٨ /٢٠١٨ في عينتاب تحت عنوان( مؤتمر إنقاذ عفرين) بأن الخيانة لا تصنع أيّة شرعية أو انتصار، وإن إنقاذ عفرين لا يكون عبر نهج العمالة إنما يتحقق عبر نهج المقاومة والتضحيات ونحذرهم بـأن تراب عفرين وزيتونها لن تحتفي بقدوم الخونة * وثلة من مجموعات منحطة وسافلة لا قيمة لها تصف نفسها بصفات هي أدنى من أن تكون قريبة منها، هذه الفئة السيئة والوضيعة والغير أخلاقية العميلة والمشرعنة للاحتلال سينتقم منهم شعبنا في الوقت المناسب وسيكونون عبرة لكل من يريد المساس بإرادة عفرين وشعبها وبتاريخها العظيم”.

واختتم البيان بالشعارات “المجد للشهداء، النصر لمقاومة عفرين، العار للخونة والمرتزقة”.