Tev-Dem

تل السكن .. إرث تاريخي مهدد بالاندثار

446

مصطفى الدحدوح

غزة – يتعرض تل السكن الأثري لجملة من الانتهاكات والحفريات غير القانونية منذ شباط 2017 بعد أن قسمت حكومة غزة الأراضي التي يقع فيها التل بين موظفيها الذين لم يتلقوا رواتبهم كبدل من مستحقاتهم المالية المتراكمة على الحكومة، وأثارت هذه الانتهاكات جدلاً وانتقادات واسعة في الشارع الفلسطيني.

وعلى الرغم من رفض الجهات الحكومية إلا أن سلطة الأراضي تجاهلت كافة الانتقادات واستمرت بما باشرت به، فأعلنت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية رفضها المطلق لكل ما يحصل في تل السكن من عمليات تدمير لإرث تاريخي.

موقع تل السكن

ويقع تل السكن الأثري في مدينة الزهراء جنوب مدينة غزة شمال وادي غزة على بعد 5 كم جنوب المدينة، وتم اكتشافه عام 1998 خلال أعمال تجريف لبناء أبراج سكنية، حيث ظهرت بقايا كبيرة من الطوب اللبني، إضافة إلى معالم معمارية أخرى، والعديد من القطع الأثرية المتنوعة.

الإرث التاريخي

ويعتبر هذا الموقع من أقدم المناطق الأثرية الكنعانية التي تم اكتشافها في فلسطين، ويعود تاريخه إلى العصر البرونزي المبكر 3300 – 2300 ق م، وهو أقدم مركز إداري مصري محصّن في فلسطين، وكان بمثابة المكان الرئيس للأعمال التجارية بين مصر والمناطق المجاورة لها.

وشهد التل مرحلتين مختلفتين من الاستيطان، الأولى هي المرحلة المصرية، حيث تميز الموقع بالمناعة والحصانة بسبب الكشف عن تحصينات معمارية كبيرة، أنشئت مرتين على مدار التاريخ، وشكل التل المركز الإداري للمستوطنات الفرعونية في جنوب غرب فلسطين في نهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد.

وبعد انسحاب مصر من فلسطين وتركها توسع الموقع وازدهرت الحضارة الكنعانية فيه وهي المرحلة الاستيطانية الثانية.

اكتشافات أثرية تؤكد أصول التل

وأجريت العديد من عمليات الحفريات والتنقيب في التل من قبل لجان مختصة في الآثار، وأظهر المكتشفات الأثرية أن السكان الكنعانيون استخدموا منتجات الحليب والأصواف في تل السكن الأثري في نهاية العصر البرونزي الحديث الثالث.

وتشير المكتشفات أيضاً أن الكنعانيين توجهوا بكثرة إلى الزراعة فيما قلت عمليات الصيد البري.

ولم تقتصر عمليات التنقيب على ذلك، بل تم العثور على بقايا منازل ومنشآت محلية، وأسطح مباني مبنية بالطوب الأحمر وبقايا جدران وأسوار معمارية من الطوب اللبني.

وإلى جانب ذلك، تم العثور على العديد من المكتشفات الأثرية التي تعود للحضارة المصرية الفرعونية، حيث عُثر على فخار مصري تم صناعته في منطقة وادي النيل، كما تم العثور على بقايا فخارية كنعانية تم صناعتها محلياً في غزة، وذلك باستخدام الطين المحلي ولكنه على الطراز المصري.

وفي باطن التل تم العثور على أحواض للاستحمام، ومزهريات اسطوانية، تم نقلها من مصر، وتميزت بوجود خط منقوش أسفلها، وتم العثور على سبعة واجهات لقصور تعود إلى السلالة الأولى من الأسرات المصرية، والتي أسسها نارمر.

كما اكتشفت قطع لأختام اسطوانية، حملت أشكال حيوانات وكذلك تمثال لضفدع من الحجر الجيري الناعم، وقد وجد مثيلها في معبد أبيدوس في مصر، وطواحين كنعانية مصنوعة من البازلت والحجر الكركاري، وأنصال حجرية كنعانية، وآلات الكشك وسكاكين وفؤوس ورؤوس سهام.

والمثير للاهتمام بأنه تم العثور في بعض الطبقات الأثرية في الموقع على جدران من الطوب المزجج وهي تعود للعصر البرونزي الحديث، وتميزت بارتفاع بلغ أكثر من 4 متر، وعرض 10 أمتار، ولا يوجد لها مثيل في المواقع الفلسطينية الأثرية مجتمعة.

خطرٌ داهم تل السكن

وفي بداية شهر شباط 2017، كاد أن يتم القضاء على أحد المعالم الأثرية العريقة الفلسطينية، عندما بدأت منحت حكومة حماس جزء كبير من أراضي تل السكن لكبار موظفيها الذين لم يكونوا يتلقون رواتبهم بدلاً من مستحقاتهم المالية المتراكمة، وبدأت بذلك عمليات جرف التربة.

ولكن وزارة السياحة وقفت أمام هذه الخطوة التي كان من شأنها إنهاء إرث تاريخي من العصر البرونزي ما زال محتفظاً بكافة معالمه الأثرية.

ودعت وزيرة السياحة والآثار في حكومة الوفاق رولا معايعة، كافة الجهات المختصة للوقوف بجدية لوقف الاعتداء وكافة أعمال التجريف الحاصلة في موقع تل السكن الأثري في غزة.

وبعد عدة عمليات تجريف وتدمير للموقع، أعلنت وزارة السياحة إغلاق الموقع بسياج حديدي ومنعت كل من ليس له عمل رسمي بالدخول للموقع، وحصلت على تعهدات بوقف أعمال الحفر، لكنها تفاجأت بدخول جرافتين إلى موقع تل السكن الأثري وذلك في إشارة واضحة إلى استمرار عمليات التدمير.

وشددت رولا معايعة على أن حماية التراث الثقافي الفلسطيني مسؤولية الجميع، لأنه جزء من الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني، مؤكدة أن الاعتداء على التراث يجب أن يواجه من كل فئات الشعب.

رفض محلي دولي

وقوبلت الاعتداءات على تل السكن ردود فعل محلية ودولية، حيث دعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، في أيلول 2017، السلطات المختصة في قطاع غزة إلى وقف عمليات التجريف في موقع تل السكن الأثري.

وفي تشرين الأول أطلق مثقفون ونشطاء فلسطينيون، عريضة إلكترونية لوقف تجريف وتدمير المكان، وطالبت العريضة بالوقف الفوري لأعمال التجريف في الموقع واتخاذ كافة الاجراءات الميدانية لحماية الموقع وإغلاقه لحين انتهاء التحقيق، والمباشرة بتقييم الأضرار في الموقع وإجراء أعمال تنقيب فورية في الموقع للحفاظ على ما تبقى منه.

النيابة تبرر عمليات التجريف

النيابة العامة في غزة أدلت بتوضيح حول عمليات الحفر في الموقع وقالت إن “أعمال التجريف تجري خارج المنطقة الأثرية التي تم إصدار قرار من الجهات المختصة بتخصيصها كموقع أثري بناء على توصية لجنة ضمت خبير آثار الفرنسي وعدد من خبراء الآثار المحليين”.

وأشارت النيابة أنه “نظراً لعدم وضوح الحدود الجغرافية للموقع الأثري بالضبط، قامت بعض الجهات بأعمال تسوية في محيط الموقع يوم الخميس إلا أنه تم تكليف مباحث الآثار بمنع أي تجريف أو تسوية جديدة بشكل احترازي”.

مناشدة شعبية

وناشد جميع أبناء الشعب الفلسطيني ومؤسسات المجتمع المدني وجميع العالمين في قطاع التراث الثقافي، بحماية تل السكن التاريخي المهم لفلسطين من أعمال التجريف والتدمير وحمايته في سبيل حماية الموروث الثقافي الفلسطيني والذي يعتبر جزء من الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني.

وطالب المجتمع الفلسطيني جميع الجهات للقيام بمسؤولياتها والتزاماتها لحماية الموقع والحفاظ عليه، كممتلك من ممتلكات الشعب الفلسطيني.